دأبت إسرائيل منذ أواسط القرن الماضي وبمساعدة أمريكية غربية على إسقاط أنظمتنا العربية واحدا تلو الآخر تمهيدا لفرض سيطرتها ونفوذها بالمنطقة وعملا بالخطة الأمريكية الداعية إلى شرق أوسط جديد خالي من كل معاني الثورية والوطنية والنضال والانتماء للقضايا العربية العادلة... شرق أوسط مهيئا ومتساوق مع واقع جديد تكون فيه إسرائيل اللاعب الوحيد بالمنطقة بل القوة الوحيدة المسيطرة على الأرض والسماء بالاستعانة من أشباه الرجال الذين حسبوا علينا كزعماء ورؤساء وأمراء ، هؤلاء الخونة والعملاء والأدوات المرتزقة الذين قبلوا على أنفسهم أدوار الخيانة والتآمر على شعوبهم وقضاياهم.
لقد لعبت الدبلوماسية الغربية عامة والأمريكية على وجه الخصوص دورا مهما في المنطقة لإيصالها لحالة السقوط والهرولة اللامسبوقة نحو سلام مزعوم قائم على التنازل والتفريط والتخلي عن قضايا الأمة ولقد مارست الولايات المتحدة الأمريكية الدور الأكبر والأبرز والاهم للوصول إلى هذه الحالة نظرا لسياستها المتبعة في المنطقة حيث اعتمدت أسلوب العصا والجزرة مع كافة الأنظمة والحكومات العربية فإما الهرولة إلي التفاوض وطاولات المفاوضات والخنوع والقبول بشروط الكيان المسخ وتوقيع اتفاقيات الذل والعار والمصالحة القائمة على الاعتراف بهذا الكيان اللقيط كقوة وحيدة بالمنطقة والتنازل عن كافة الحقوق العربية بل واستباحة أراضينا العربية لهذا الكيان ،وإما الفوضى الخلاقة التي تفضي إلى تدمير ألبنا التحتية لهذه الدول وتفكيك وحدتها وتدمير قدراتها العسكرية وصولا إلي كسر إرادة المقاومة وتحطيم جوهر الانتماء للقضايا القومية العربية وإما حربا عسكرية يعد لها بالمطبخ الصهيوامريكي وقرار من مجلس الأمن ومباركة من جامعة الدول العربية وبعض الأعراب الذين باعوا أعراضهم قبل أن يبيعوا قضايا أمتهم كما حصل بالعراق الشقيق. لقد شهد تاريخنا المعاصر مواقف شجاعة ، مشرفة ، رافضة لكل أشكال التآمر وسرقة الحقوق وفرض إسرائيل كأمر واقع على أمتنا العربية بل وفرض السلام الذي يبقي إسرائيل صاحبة الامتياز والقوة النووية المتقدمة عسكريا وتكنولوجيا بالمنطقة دون اعتراض لذلك أو حتى مناقشته علنا!!!
إن كل ما جرى ويجري على الساحة العربية والتدخل الأمريكي والغربي السافر بقضايانا ما هو إلا خدمة لهدفين أساسيين : أولهما فرض إسرائيل كدولة وكقوة بالمنطقة والحفاظ على أمنها وتفوقها ، وثانيهما فرض السيطرة الأمريكية الإسرائيلية على المنطقة سياسيا واقتصاديا وعلى القرار العربي بل وعلى كافة نواحي الحياة الإنسانية بالمنطقة.
إن الأحداث المؤسفة الأخيرة والسياسة التدميرية الممنهجه والمؤامرة الكبيرة التي تتعرض لها العزيزة على قلوبنا جميعا سوريا أرضا وشعبا لهي أحداث مؤسفة حد الدمع وما كانت هذه الأحداث لتكون لو اختلف موقف الرئيس السوري بشار الأسد وموقف حكومته ولو تنازل الأسد وتخاذل وتآمر وخان ، ولكان الموقف مختلفا كليا ولعادت الجولان بصفقة تفاوضية ولتم تعديل الحدود ورفع العلم السوري بضواحي تل أبيب كما يرفع العلم الإسرائيلي في شام الشهامة ولكان بين الدولتين حسن الجوار وحق الجار وكل ذلك بثمن.
لكن سوريا ، سوريا الأسد التي رفضت الارتماء بأحضان العم سام وقبول كل الحلول والإغراءات التي عرضت عليها مقابل تنازلها واصطفافها في طابور المهرولين نحو السلام المزعوم ، سوريا التي احتضنت الثورة الفلسطينية وأبت التخلي والتآمر عليها وبيعها للمارقين ، سوريا الممانعة التي حملت هموم الأمة وأحلامها ولم تتخلى عنها يوما ، سوريا الداعمة المساندة لكل المدافعين الشرفاء وكل المقاومين النبلاء وكل المناضلين الأوفياء لقضاياهم وشعوبهم.
سوريا التي أحيكت عليها المؤامرة وصودرت إليها الثورة عبر حدود مشبوهة ومقاتلين ومجاهدين مرتزقة وعتاد وسلاح لا محدود ،سوريا المراد لها الغرق بالدم السوري ما هي إلا ضحية جديدة لأطماع الطامعين بإذلالها وإنهائها كدولة رائدة في الشرق الأوسط وإنهاء الهوية العربية القومية المقاومة والرافضة ، وخلق نظام ترعاه الولايات الأمريكية وإسرائيل كما هو الحال في الكثير من الأنظمة العربية القائمة وعلى رأسها الخليج العربي. ولا شك أن هناك أسباب أخرى وراء الحملة الشرسة على سوريا بالإضافة لكل ما سبق ومنها منابع المياه والسيطرة على مصادرها ، وخطوط الغاز والثروات الطبيعية غير المكتشفة وأخرى ربما يتم الكشف عنها بعد انتهاء الحملة وتدمير سوريا وإغراقها في بحر من الدماء البريئة.