ولماذا لا يتمرد الشعب ؟!

بقلم: نافذ غنيم

أصبحت كلمة تمرد تقلق مضاجع الكثيرين، فهذه صفة تلازم روح ووجدان الشعوب، تستحضرها حال التصدي لما يعيق تطورها ومستقبلها الذي تصبو إليه، وقد لازم ذلك شعبنا الفلسطيني الذي عانى ويلات الاحتلال الإسرائيلي المجرم على مدار عقود، مقدما بذلك تضحيات جسام من اجل انجاز مشروعه الوطني . لكن الجديد في الأمر أن هذا التعبير جرى ماسسته بحركة حملت اسم " تمرد "، وترافق ذلك بفعل ملموس على الأرض، حيث استطاعت هذه الحركة إطلاق شرارة تصويب مسار الثورة في مصر، مما أودى بحركة الإخوان المسلمين إلى مهاوي الردى، وفي تونس تراجعت عنجهية النظام الحاكم هناك، ليبدي مرونة في الاستجابة لمطالب الشعب الذي يناضل لوقف حالة التدهور في مؤسسات الدولة باتجاه ما تطمح إليه حركة النهضة من سيطرة عليها، وصبغ المجتمع بلون فكري يحقق أجندتها في شتى المجالات . هذه التطورات أرخت بظلالها على المحيط، لتجدد في واقعنا الفلسطيني روح التمرد التي تأصلت فيه، والتي تراجعت في السنوات الأخيرة بسبب الظروف الداخلية التي قمعت هذه الروح، لتتحول الإرادة الشعبية إلى وضع مستكين غير مبالي، او لفعل تقليدي غير مجدي إلا ما ندر .. صراعات وأوضاع داخلية اغتالت هذه الإرادة، حيث أصبح اليائس والإحباط والخوف من القمع واثاره عنوان لها .
نتحدث عن شعب ما زال محتل، ولا اعرف كيف يستقيم حال شعب يناضل ضد قمع الاحتلال وقهره، مع ممارسات داخلية جوهرها القمع والإرهاب والتعسف والظلم؟! كيف يستقيم شعار المقاومة مع واقع كسر صمود الشعب من خلال إفقاره وتيئيسه وإحباطه، ليتحول إلى لاهثا خلف لقمة خبزه وتامين مصروف أطفاله؟ كيف ذلك وهو يعاني نقص الكهرباء والماء، وعدم تمكنه من الحصول على الوقود من اجل كسب رزقه او إنارة بيته او استخدامه لحاجاته الأساسية؟ كيف يمكن ذلك وهو غير قادر على حماية أبنائه من الانهيار الكاسح في القيم والأخلاق والمسلكيات القذرة؟ كيف وكيف ؟ مئات الأسئلة التي تعكس واقعا اجتماعيا صعبا، ووضعا سياسيا أصعب، صحيح أن هناك ما سببه حالة الحصار المتقلبة تجاه قطاع غزة، لكن هناك ما هو نتيجة للارتهان لأجندات خارجية، ولسوء الإدارة وجشع البعض، واستغلال الحزب الحاكم نفوذه لصالح أعضائه وأنصاره على حساب الآخرين من عامة الشعب المسحوق.. قول الأستاذ إسماعيل هنية بأنه متمرد على الاحتلال قول في محلة، لكن هذا التمرد يجب أن يكون عنوانه الشعب وليس شخص او حركة بعينها، ولكي يكون الشعب في قطاع غزة كذلك، فهناك الكثير مما يجب عمله من اجله علاج كل المعيقات التي أدت إلى هذه الحالة الشعبية اليائسة .
"تمرد" عنوان يدغدغ مشاعر كل من يشعر بالظلم في هذا المجتمع، وهو في أدنى حالاته صرخة في وجه الظلم والوضع المتردي، ولولا أن هناك حالا مأساويا يعانيه شعبنا، لما لقي إعلان حركة "تمرد" عندنا صدى في الشارع الفلسطيني، ولا لدى حركة حماس وحكومتها المقالة، لدرجة أن يأتي عليها الأخ هنية في خطابه الأخير .
أتمنى على الأخوة في حركة حماس وحكومتها المقالة، بان لا يلجئوا لعلاج الحالة المتصاعدة شعبيا بالتهديد والوعيد والقمع، فإن كان ذلك قد حقق نتائج لصالح حكمهم لقطاع غزة في السابق، فانه لن يجدي في ظروفنا الراهنة، خاصة وان الواقع وظروف الناس اختلفت، والكثير من الناس لم يعد يخشون خسارة شيء حال تمردهم، كما أن الظروف المحيطة قد اختلفت، فهناك ما كسر هيبة الإخوان المسلمين في العالم العربي، الأمر الذي انعكس عليهم تلقائيا ،لأنهم ارتضوا أن يدينوا بالولاء لحركة الإخوان المسلمين، كما أن الكثير من خطابهم قد تداعى وانكشف للشعب، سواء كان ذلك على المستوى السياسي او فيما يتعلق بالمقاومة، وكذلك ما روجوه من شعارات للإصلاح والعدالة والإنصاف بين الناس، وعليهم ان لا ينسوا ما حل بهم داخليا بسبب التباينات السياسية ارتباطا بأطراف وقوى إقليمية، والى جانب ذلك كله ما حل بقواعد الحركة وكوادرها الوسطية من استياء وتذمر لما أوجدته امتيازات الحكم والسلطة من فوارق بينهم .
نأمل أن ينتصر منطق الحكمة والعقل لدى الحمساويين، على منطق التهديد والوعيد للشعب ولمن يخالفهم الرأي، وان يتيحوا المجال واسعا لكل من يعارضهم للتعبير عن أرائهم بمختلف الوسائل الميدانية السلمية، فليس من الإنصاف أن يترك المجال لأنصار حركة حماس للتعبير عن إرادتهم ومواقفهم بمختلف الأساليب، بينما يُمنع او يُقمع فعل الآخرين المعارضين لها ولحكومتها المقالة ، هذا يعني إقصاء الآخرين، فعندما تشارك المعارضة في التعبير عن ذاتها، هذا يعني أنها تشارك من يحكمون الحالة، وليس بالضرورة أن يكون التشارك من خلال حكومة مختلف عليها، فلا يجوز قمع فعل المعارضة الميداني، وفي ذات الوقت دعوتها للمشاركة في حكومة غزة، هذان مسلكان متناقضان .
إن إغلاق الأبواب أمام الفعل الشعبي الميداني لن يأتي إلا بمزيد من التمرد والعنف، وليتذكر الجميع بان تجربة شعبنا تؤكد بان الدم يجلب المزيد من الدم .. كونوا حكماء يا من تحكمون قطاعنا البائس، ولا بد من إدراك أن تمرد شعبنا لا يرتبط بميلاد حركة هنا أو هناك - بغض النظر عن موقفي تجاه حركة "تمرد" الفلسطينية وأسلوب عملها- فحال نضوج ظروف الانفجار الشعب لن ينتظر احد، ولن يرتبط بشعار هنا او تنظير هناك، ولن تستطيع أي قوة مهما بلغ جبروتها منعه أو قمعه .
أقول ختاما .. أن واقع الناس وحالهم، وما يتفاعل في كافة المناطق يعبر عن حالة احتقان شعبي لم يسبق لها مثيل، وكأن غيوم المرحلة تنذر بمطر شديد وعواصف اشد على المستويين الداخلي والخارجي .. أتمنى ان تحكمنا العقلانية والحرص المتبادل وتغليب المصلحة الوطنية العليا فوق كل الاعتبارات لكي نتجاوز هذه المرحلة بأقل الخسائر، وبوحدة حقيقية تنهي الانقسام البغيض، وبمواجهة جادة ومدروسة ضد الاحتلال الإسرائيلي المجرم، الذي لا نتوانى في أن نقدم دماؤنا رخيصة من اجل دحره عن أرضنا، دماء يجب أن تُبذل في معركة النضال ضده، وضده فقط .
غزة/ 1/9/2013م
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت