الأمم تنبـذ الحروب

بقلم: محمد السودي


أظهرت الحقائق الدامغة أن مواقف غالبية شعوب الكرة الأرضية عبّرت عن رفضها المطلق لثقافة شّن الحروب الغاشمة المنفردة أوعبر تحالفات مجموعة دول تجمعهما مصالح مشتركة خارج إطار الأمم المتحدة ، باعتبار ذلك يمثّل عدواناً سافراً على سيادة الدول المستقلة الأخرى حسب القانون الدولي والإنساني وميثاق الجمعية العامة ، بغض النظر عن الدوافع والمبررات التي تسوّقها القوى الكبرى ، إذ تعتمد هذه الدول معايير إنتقائية بما يخدم أجنداتها الخاصة وليس شيئاً أخر مما تدّعي حول حرصها على الأمن والسلم الدوليين وإنقاذ الجنس البشري من الإبادة الجماعية وتوفيرالرخاء الإقتصادي الخ ، وإلا لماذا لم تحرك الأمم المتحدة والقوى العظمى ساكناً أزاء المذابح المروّعة التي يندى لها جبين الإنسانية في "رواندا" ذهب ضحيتها مايربو على ثمانمائة ألف شخص ، وكذلك جرائم التطهيرالعرقي ضد مسلمي ماينمار على أيدي القوات الحكومية والمتطرفين البوذيين والقائمة تطول ؟ كما أن الشعب الفلسطيني يتعرّض لأبشع وأطول انواع الحروب والمجازر العدوانية التي عرفها التاريخ المعاصر من قبل حكومات الإحتلال الإسرائيلي وإرهاب عصابات المستوطنين واستخدام كافة أنواع الأسلحة المحرمّة دولياً بما فيها الفسفور الأبيض والقنابل العنقودية والغازات السّامة ليس أخرها الحرب على قطاع غزة ، إضافة إلى تطبيق سياسات عنصرية منهجية وممارسات القتل والإعتقال والحصار ومصادرة الأراضي وانتهاك المقدسات منذ ستة عقود ونيّف نتيجة الظلم التاريخي الذي تتحمل مسؤوليته المباشره الدول العظمى والأمم المتحدة دون أن يرّف لها جفن بل يجري التغاضي عن فظائعها الموثّقـة التي ترقى إلى مستوى جرائم الحرب ضد الإنسانية وعدم مسائلتها واعتبارها فوق القوانين الدولية كونها تحظى بالرعاية والحماية الأمريكية.
إن شعوب العالم أيقنت ألاعيب السياسات الخفيّة ومن يقف وراءها إثر غزو العراق الذي تجلّت أهدافه بتقويض أسس أركان الدولة الوطنية بعد فضيحة القرن واختلاق الأكاذيب حول امتلاكه أسلحة الدمار الشامل حيث تبيّن للقاصي والداني أنها مجرد قصص مفبركة من نسج الخيال المخابراتي لتنفيذ مخطط صهيوني مبيّت قديم جديد يستهدف المنطقة العربية برمتّها نفذّته طغمة غلاة المحافظين الجدد لأسباب السيطرة والنفوذ على منابع النفط والثروات الطبيعية التي تتمتع بها المنطقة وحماية شريكتها إسرائيل التي تحتفظ بأكثر من مائتي وخمسين رأس نووي ، من مزاعم أي تهديد عربي محتمل قد تشكّله هذه الدول التي لاتدور في فلكها ، وكان غزو العراق مجرد البداية التي امتدّت لاحقاً إلى بقية الدول الأخرى لذلك ليس غريباً أن يكون تفكيك أو تدمير الركائز الأساسية لمقومات الدول القويّة المتمثلة بالمؤسسات العسكرية والأمنية على سلّم أولوياتها ولاحظ الجميع بوضوح أن "بول برايمر " الحاكم الأمريكي العسكري للعراق كيف توّج أول قراراته بحلّ الجيش العراقي الذي يمتلك من الخبرة والدراية مايؤهله مواجهة الألة العسكرية الإسرائيلية إذا ماتوفرت ظروف المواجهة الجماعية لاسترداد الحقوق العربية الضائعة في فلسطين ، وكذا نشر الفوضى وإثارة النعرات المذهبية والطائفية التي جعلت امكانية التعافي أمراً بعيد المنال على المدى المنظور ، بالرغم من هزيمة القوات الأمريكية الغازية التي غاصت في الوحل العراقي جراء المقاومة والخسائر الفادحة التي منيّت بها وفشل أهدافها الجيواستراتيجية الأمر الذي أدّى إلى سـقوط المحافظين الجدد وانسحاب القوات العسكرية تجـرّأذيال الخيبة والخذلان، وهو ماجعل الإدارة الأمريكية الديمقراطية الجديدة الفائزة بالإنتخابات الرئاسية مرّتين متتاليتين تحت شعار انسحاب القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان والإكتفاء بتوقيع اتفاقيات يضمن لها أفضليات أمنية واقتصادية معينّة ، تعيد النظر بالكيفية التي يمكنّها من السيطرة الناعمة على مجريات الأمور دون دفع تكاليف باهظة الأثمان ، حيث وجدت ظالتّها بالتحولات الجارية في المنطقة التي انطلقت شرارتها الأولى من تونس ثم ثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر اللتان نجحتا في إزاحة رموز الحكم القديم ماجعلها تعقد الصفقات مع القوى المؤهلة الأكثر تنظيماً لاستلام السلطة بما يضمن مصالحها وهيمنتها وعدم المساس باتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل هاجسها الأول والأخير وهو ما استجابت له هذه القوى، ولأن حسابات حقول الشعوب لاتتطابق مع بيدر الطغاة لم تجري رياح سفن أمريكا بما لاتشتهي إرادة الغالبية المقهورة لذلك تلقّت الإدارة الأوبامية صفعةً غير متوقعةً أصابتها بالدوار وعدم التوازن جراء حركة تصويب المسار الثوري بتاريخ الثلاثين من يونيو لهذا العام جاءتها من ميادين وساحات مصر، ولا زالت تتفاعل صداها في تونس ، لذلك أضحى لاخيار لديها سوى تحويل الأنظار باتجاهات دقّ طبول العدوان على سوريا حتى لوكانت منفرده للحفاظ على هيبتها المكسورة وإنقاذ ماء الوجه .
الفشل المتلاحق للسياسات الخارجية الأمريكية لم يقتصر على علاقاتها الدولية حسب ، بل اتسمت بالرفض الجماعي القاطع لغالبية شعوب ودول أوروبا عدا قصر الإليزيه ، جاءت طليعتها من بريطانيا التي نأت بنفسها عن المشاركة بالعدوان المرتقب خلال تصويت مجلس العموم بالغالبية ضد طلب رئيس الوزراء البريطاني"كاميرون" المتحمس للعدوان ، الأمر الذي دفع الرئيس أوباما اللجوء إلى مجلسي الشيوخ والنوّاب للحصول على الموافقة خشية عواقب الإخفاق الذي ينتظره بعد أن فقد تأييد أغلبية الشعب الأمريكي منحه التفويض للقيام بأي جهد عسكري خارج حدود الولايات المتحدة حسب استطلاعات الرأي العام التي أكدّت أن نسبة مايقارب الستين بالمائة ترفض توجيه ضربة لسوريا حتى لو كانت محدودة وعن بعد، مع أن هذا الإحتمال لايمكن لأحد امكانية التحكّم بنتائجه ، إذ يمكنهم إتخاذ قرار الحرب ولكنّهم لن يستطيعوا السيطرة على وقفها متى أرادوا ، لهذا جنّد أقصى جهود مجلس الأمن القومي في مقدمتهم جون كيري وزير الخارجية وتشاك هيغل وزير الدفاع ، والجنرال ديمبسي رئيس هيئة أركان الجيوش الأمريكية المشتركة للمرافعات أمام الكونغرس وصلت حد الإستجداء وتصوير الأمربأن مصداقية أمريكا كلّها تتوقف على اتخاذ قرار يخوّل الرئيس شن العدوان على سوريا ولا زالت المساعي متواصلة لحين حصول البيت الأبيض عل مبتغاه وإن كانت احتمالية رفض مجلسي التشريع واردة إلى حدٍ كبيرغير أن الرئيس سيخوض مغامرته العسكرية سواءً بالموافقة أو الرفض .
يبقى القول أن الشعوب العربية التي دفعت ضريبة العدوان واكتوت بنيران الحروب الأمريكية والإسرائيلية على حساب قضاياها العادلة واستقرارأمنها وتنمية موارد الإنسان داخلها ، يقع على كاهلها مسؤولية التعبيرعن غضبها ومقاومة التدخل الأجنبي بكل الوسائل المتاحة في سوريا أو أي مكان من الوطن العربي ليس بالأقوال حسب إنما بتشكيل أداة ضاغطة على النظام الرسمي العربي لمنع المشاركة وتاييد العدوان مهما كانت الأسباب ، فتأثير الحناجر تصدح في الساحات والميادين أقوى من أزيز الرصاص وقمع الطغاة ، أما المعارضات الوطنية التي ترفع راية الحرية والديمقراطية والتعبير عن مصالح الجماهير العريضة وهو حق من حقوقها المشروعة ينبغي عليها مواصلة نضالها الدؤوب من خلال توسيع قاعدتها الشعبية واللجوء إلى الحوار الوطني البنّاء وعدم الإستقواء بالأجنبي لأن في ذلك ضررلها أكثر من غيرها ربما يفقدها شرعيتها الوطنية ، ولهم في تجربة القادمين على ظهر دبابات الجيوش الغازية درس بليغ لاينسى يوم تدور الدوائر .....
كاتب سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت