مفاوضات بلا تفاوض ...!

بقلم: هاني العقاد


تختلف الحالة الفلسطينية عن أي حالة في علوم الحرب والتفاوض تحت النار فقد تنجح مفاوضات الطرف القوي مع الدولة التي احتلت وقد يقبل الطرف الذي احتلت أرضه ومدنه بحلول منقوصة بسبب الهزيمة التي منى بها ,لكن هذه النظرية تختلف اختلافا كليا في الصراع ولا يمكن أن تنسحب على الحالة الفلسطينية لان الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ليس صراعا كلاسيكيا وإنما صراع على الأرض بين مقاومة مستمرة بشكلها السلمي وظرفية بشكلها المسلح واحتلال , فلا يمكن للتفاوض في ظل الاستيطان والقتل أن يحقق نتائج ملموسة أو نتائج تفضي لاتفاق طويل الأمد بين الجانبين ولا يمكن لحالة لم تقتنع فيها إسرائيل بالسلام ولم تسعي إليه أن تنجح مهما توفرت لها من عوامل إسناد ورعاية دولية لان الإسناد المتاح والمتوفر الآن مازال في صالح إسرائيل, واختلاف الحالة الفلسطينية عن نظريات القوة والهزيمة في أي حروب أن الفلسطينيين يمتلكوا عوامل قوة ويستطيعوا أن يهزوا بها قوة المحتل لأنه ضعيف أمام حرب ثورية طويلة الأمد لها من القوة ما يفوق الحروب النظامية وأكثر إن استمرت أثناء التفاوض .

قتلت إسرائيل وقواتها المحتلة ثلاثة من خيرة شباب مخيم قلنديا بالضفة الفلسطينية , قتلتهم في زمن التفاوض وصناعة السلام وهذا أمر لا تفعله إلا إسرائيل لتحقق بذلك عدة أهداف أولها إضعاف جبهة الرئيس أبو مازن وكل الداعين إلى التفاوض مع إسرائيل والحل السلمي ,والثاني البقاء في المفاوضات دون تفاوض حقيقي يصل إلى حلول حقيقية , وثالثها تفتيت الثوابت الفلسطينية إلى قضايا مصغرة يحكمها امن إسرائيل في النهاية , الثلاثة أهداف السابقة أهداف غير نظيفة تسعي إسرائيل لتحقيقها , فقد قبل الفلسطينيين التفاوض مع استمرار الاستيطان وتريد الآن أن يستمر الفلسطينيين في التفاوض تحت النار , ودون تفاوض جاد يفضي إلى نتائج تقنع جميع الأطراف بنية إسرائيل في العيش بسلام مع العرب والفلسطينيين .

كل هذا يتطلب أن نسير في إجراءات تجبر إسرائيل على التفاوض الجدي لان أي المفاوضات بلا انتفاضة على الأرض لن تكون مفاوضات جادة ولن تنجح ,ولن تكبح شراهة إسرائيل وكيانها الشره للدم والقتل والتهويد وهدم البيوت بالإضافة إلى أن الانتفاضة تدعم المفاوض الفلسطيني على الأرض عبر العديد من الإجراءات النضالية بشتى الطرق والأساليب والأدوات فالمعركة باتت مفتوحة ومن فتحها إسرائيل وهى التي أرادت مثل هذا النوع من المفاوضات, بالفعل المعركة أصبحت واضحة المعالم فلنفاوض ونقاوم بالتوازي ودون توقف لان وقف المقاومة بأشكالها يعنى الاستسلام خلال المعركة الحالية لتجبر إسرائيل على التفاوض بجدية لأنها كيان لا تحكمه أي مبادئ ولا قوانين ولا يخجل من نفسه أمام احترام الإنسان وآدمية التعامل معه ,فقتل الفلسطينيين جاء داخل مدنهم وبيوتهم وهم عزل مدنين امنين لم يهددوا إسرائيل ولم يواجهوا إسرائيل بالنار في لحظة القتل بل كانت خطة معده جيدا نفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي بإحكام ودون رحمة لحياة هؤلاء الشهداء الضحايا.

كثير من التشاؤم يخيم على الطرف الفلسطيني والغالب الفلسطيني يعتقد أن المفاوضات لن تأتي بحل عادل ودائم لان النوايا الإسرائيلية انكشف أمرها خلال الفترة الماضية في المفاوضات والتي استمرت لأكثر من شهر ونصف من الجلوس حول طاولة المفاوضات دون مفاوضات حقيقية للوصول لعمق الصراع واختلافاته والقضايا التي من شانها حل عوالق الملفات كالقدس والحدود واللاجئين والمياه والأسري والمعابر والمطارات , وقد كشف مصدر فلسطيني مسئول أن المفاوضات مازالت عبارة عن استعراض للموضوعات الجديرة بالبحث كالحدود والأمن وغيرها أي حوارات تهيئة فقط وغالبا ما تعود إسرائيل للملفات القديمة وتتحدث كثيرا عن يهودية الدولة ,ومن هذا التصريح والتصريحات الأخرى يبدو للعيان أن المفاوضات تسير دون تفاوض على الحل الدائم ولا طريق ينهى الصراع , إسرائيل من طرفها هي السبب في التشاؤم الذي يسيطر على المفاوضين الفلسطينيين وهى السبب في تعقد الصراع من جديد لأنها لم تقدم أي مبادرات حسن نية للفلسطينيين قبل التفاوض وحتى الأسري القدامى الذي قسمت إطلاق سراحهم على دفعات لم تساهم في ذلك .
الاستمرار في التفاوض على هذه الشاكلة وبهذا الأسلوب يتطلب دعما شعبيا هاما للمفاوض الفلسطيني ,لذا لابد وان تستمر الأرض الفلسطينية في الانتفاض الشعبي طالما هناك مفاوضات غير جادة وأن تكون الانتفاضة بأشكال متعددة وأدوات متنوعة وتستمر إلى ابعد مدي لتحول حياة الإسرائيليين إلى جحيم وفي كل مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة ,وبالتالي فإن المفاوض الإسرائيلي سيعرف خطورة تلكؤه في التفاوض وخطورة عدم وقف إطلاق النار والاستيطان في ظل التفاوض ,وعلى الفصائل الفلسطينية أن تسارع إلى هكذا إستراتيجية ولا تترك إسرائيل بقوتها تستخدم هذا النوع القذر من الأساليب على اعتقاد أنها تضغط المفاوضين الفلسطينيين للقبول ببعض الحلول أو التفاوض تحت الضغط للتوصل إلى حل مؤقت أو حلول مرحلية .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت