عوامل عديدة لم نتفاجأ فيها دخلت من اجل تأجيل العدوان وخاصة المبادرة الروسية التي اكدت مجدداً ثبات المعادلات الدولية الجديدة التي تبلورت في مجابهة الحرب الاستعمارية و معادلة ردع العدوان على سوريا بعد حشد الأسطول الروسي وعبر القرار الروسي الحازم بتقديم كل ما تحتاجه سوريا للدفاع عن نفسها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً ، هذه المبادرة انطلقت من موقع معادلة قوة رادعة للعدوان الأمريكي وروسيا شريك رئيسي فيها إلى جانب سوريا وايران وقوى المقاومة في المنطقة كانت في صلب التردد الأمريكي وحالة الانهيار الإسرائيلي مما سيترتب على الحرب على سوريا ، وبهذا المعنى فالمبادرة الروسية جاءت فعلاً سياسياً هجومياً مبنياً على توازن الردع بالتقاط لحظة المأزق الأمريكي والتخبط الذي دخل فيه باراك أوباما بحثاً عن السلم الذي ينزله عن شجرة التصعيد.
وامام ذلك يبقى السؤال هل يقبل النظام في سوريا التخلي عن السلاح الكيماوي وهو قوة الردع بيده في مواجهة السلاح النووي الاسرائيلي؟ الاجابة غير متوفرة بعد، الا ان التفاوض سيحصل على هذا الامر وهو بدأ فعلا عبر وزارتي الخارجية الاميركية والروسية، لان امن الكيان الصهيوني وخطوط النفط هما محل اهتمام الادارة الاميركية ، وسوريا من اكثر الدول التي تمتلك هذا السلاح، فالضغط يكون دائما في مكان بينما التصويب على هدف آخر، والهدف المطلوب في سوريا هو سحب السلاح الكيماوي والا تحولت سوريا الى فريسة لن يتوقفوا عن استهدافها الا بالوصول الى هدفهم.
إن قبول سورية بالمبادرة الروسية حول السلاح الكيماوي، يستدعي من الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة تحركا حثيثا لنزع السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل من العدو الصهيوني، كي تصبح المنطقة خالية من هذه الأسلحة الفتاكة، الذي ينبغي أن تحتل أولوية العمل العربي بعد التطورات الراهنة، كي نبقى محافظين على الحدود الدنيا من الأمن القومي العربي.
ان إرجاء التصويت الأولي الذي كان مقررا في مجلس الشيوخ الأميركي حول مشروع قرار يجيز توجيه ضربات عسكرية إلى سورية، اتى إثر الاقتراح الروسي حول الترسانة الكيميائية السورية، وهو يأتي نتيجة الخوف من النتائج الكارثية على الأمن والسلام في العالم وعلى المصالح الأميركية والإسرائيلية في ضوء هذه القدرة، وثالثاً إعلان الكثير من حلفاء أميركا عدم المشاركة في الحرب بما في ذلك بريطانيا وحلف الناتو.
الموقف الروسي الرافض جملة وتفصيلاً للادعاءات الأميركية ولأي ضربة ضد سوريا بعد ان هدد بتقديم من وثائق وأدلة لأعضاء الكونغرس تخالف الأدلة المزعومة للإدارة الأميركية ، اضافة الى وقوف نسبة كبيرة من الشعب الأميركي ضد هذه الحرب وفق استطلاعات الرأي والخوف من دخول أميركا مجدداً في حرب عبثية جديدة كما حصل في أماكن أخرى ما زالت ترخي بظلالها السوداء عليها,
لهذا نرى اذ رضخ الأمريكي للمبادرة الروسية وسحب أساطيله وأعلن الكف عن الإعداد لحربه ضد سوريا ،فسيكون المنتصر بذلك سوريا التي ستخرج من هذه المواجهة بقوة قادرة على مواجهة ما تتعرض له في الداخل وجاهزة لردع أي اعتداء استعماري أو صهيوني يمس سيادتها ويتطاول على استقلالها وعلى قدراتها وعلى خيارها الاستقلالي المقاوم ، وبكل الاحوال سيكون انتصاراً لسوريا لأنها اكتسبت مزيداً من الصلابة والثبات والاندماج العملي مع شركائها على المستوى العربي والجمهورية الاسلامية في ايران ومع حليفها الدولي الكبير روسيا الاتحادية وسائر أطراف منظومة البريكس .
وبالتالي فإن منع هذه الحرب وإيجاد الاطار السياسي الرادع لنزعة الحرب العدوانية التي ظهرت بأبشع صورها في اسرائيل والولايات المتحدة يمثل بذاته انجازاً لشعوب المنطقة والعالم قاطبة وهي حرب لا تزال تنذر إذا ما غامر أوباما بحماقته بإمكانية التحول إلى حريق عالمي كبير يخلف وراءه مئات آلاف الضحايا وملايين المشردين ويلحق بالبنية التحتية السورية خراباً كبيرا وهي حاصل جهود وعرق وتضحيات الشعب السوري على امتداد السنوات الأربعين الأخيرة
ان موسكو لم تكن لتطرح مبادرتها دون وجود ضوء اخضر امريكي، وان روسيا عملت على توفير ثمن لحفظ ماء وجه اوباما وهذا الثمن لا يمس بقدرة النظام في سوريا ، ولا وضع الجيش ولا تماسكه ولا يقوي المعارضة ، فما تم مخرج لحفظ ماء وجه اوباما دون اي تنازل جوهري من الجانب السوري
ومن هنا نقول اوباما كان يخاف ان يدفع ثمن العدوان على سوريا لان الرأي العالمي مناهض له ، كما ان الرئيس الاميركي فهم ان هناك استعدادات جدية لمواجهة هذا العدوان من قبل سوريا وحلفائها التي ستمزق أحشاء المنطقة عنفا وصراعا، ففي المزاد الأميركي ـ وبمكاسب الربح والخسارة ، يبقى كلا الخيارين قائما، لكن أيا كان الفعل الأميركي ونتاج حراكه التحريضي عدوانا أو جلوسا بالبيت، فإنه سيترجم، وبلا شك إفلاسا سياسيا وسقوطا أخلاقيا، لرئيس وإدارة أميركية قدمت نفسها تحت مظلة التغيير.
لذلك يبدو أن المخاض ما زال عسيراً وطويلاً بفعل التدخل الامريكي والاستعماري وبعض دول الخليج وبعض القوى الإقليمية لتعزيز مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية .
ولعل أهم وأخطر معالم هذا التدخل الخارجي اليوم في سوريا نظراً لأبعاده وتداعياته الجيوسياسية على المنطقة العربية برمتها، ولحجم الدمار الذي سيحل بسوريا، والمآسي الإنسانية التي لحقت فيها جراء الحرب ، حيث تستغل القوى الغربية والادارة الامريكية وحلفاؤها في المنطقة ما يجري في سوريا من خلال قوى وشخصيات نصبت نفسها وصية على الشعب السوري لممارسة الضغط على سوريا الدولة من أجل إجراء إصلاحات ديمقراطية وتعديلات دستورية على مقاسها، رغم إجراء مزيد من الإصلاحات، واستعداد النظام للخوض في حوار وطني جاد بين كافة قوى معارضة الداخل والخارج، لبحث سبل التوصل إلى حل تفاوضي سلمي للأزمة، الا ان هذه القوى المرتبطة مع المصالح الجيوسياسية لبعض الدول الإقليمية، ورغبة القوى الإمبريالية في تمديد الأزمة، تعالت صيّاحهم وأفتوا نفاقاً، وفي هذا الجو المشحون بالحقد والكراهية وتغليب الذات على المصلحة العامة ، يبدو أن الولايات المتحدة وحلفاءها لم يكفيهم ما يتشظى حتى الآن من أجساد السوريين قتلا وتمزيقاعلى أيدي من دعمتهم هي وحلفاؤها بالمال والسلاح، بل تريد أن تطمس سوريا من على الوجود بحربها المجنونة على الشعب السوري لتنال الثناء الكبير من قبل كيان الاحتلال الصهيوني والمديح من قبل، حين قدمت له رأس العراق على طبق من ذهب.
ومن هنا علينا ان نراقب الايام هل سيحدث العدوان اما لا ، بعد موقف الرئيس الامريكي الذي اعطى وقت للدبلوماسية ، و دعوة وزير الخارجية الأمريكي كيري وبعض أعضاء الكونغرس إلى إقرار خطة الرئيس أوباما لتوجيه ضربات محدودة إلى سوريا .
وفي ظل هذه الاوضاع المشحونة نرى ان الاستهداف الجبان للمخيمات الفلسطينية، جاء تنفيذاً لخطة صهيونية محكمة، هدفها ضرب حق العودة عبر تشريد اللاجئين الفلسطينيين، وترحيلهم بعيداً عن وطنهم وعن جميع مراكز المقاومة، لتسهيل عملية تدجينهم وصدّهم عن تحقيق مشروعهم الوطني التحرري، ولم يكن هذا ليُفايجئ أحداً، خصوصاً وأن الضغوطات على سوريا في هذا المجال لم تكن وليدة اليوم، بل أتت مُمَوّهة في سياق محاولات عديدة، أبرزها العرض الذي تقدم به وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، كولن باول، لدى زيارته دمشق سنة 2003، والقاضي بترحيل اللاجئين الفلسطينيين من سوريا إلى قطر، الشيء الذي رفضته الرئاسة السورية وألحت على أن لا مجال لخروج الفلسطينيين من سوريا إلا نحو وطنهم فلسطين، اضافة الى وقوفها ودعمها الى المقاومة الفلسطينية والمقاومة الوطنية اللبنانية بقيادة حزب الله في نضالهما ضد الكيان الصهيوني وهو ما دشن لمرحلة جديدة من التوتر في العلاقات الأمريكية السورية أفضت إلى فرض هذه الأخيرة عقوبات اقتصادية على دمشق، خططت له القوى الرأسمالية المتوحشة في أعقاب غزوها للعراق واحتلاله، مستهدفة تحويل التنوع الثقافي والإثني الذي تزخر به منطقتنا إلى صراع سياسي دموي لإعادة تجزئة المجزّإ على أسس عرقية، طائفيةمذهبية متناحرة ، واليوم تفعل فعلها بدعم القوى الارهابية في سوريا تمهيداً للسيطرة على المنطقة والتلاعب بمصير شعوبها ، من خلال القوى الظلامية والارهابية التي تصعد عدوانها من خلال سياسة الأرض المحروقة، والتممترس في الأحياء الشعبية، وإزهاق أرواح الأبرياء، ورغم كل ما نراه اليوم نؤكد على اهمية توافق القوى السورية النظام والمعارضة على اهمية توفير كل الشروط اللازمة لإيجاد حل سياسي سلمي تفاوضي ينقذ سوريا من أهوال هذه الحرب المدمرة التي فُرضت قسرا ..
ختاما : لا بد من القول أن محاولات الامبريالية والصهيونية وعرب النفط تدمير سوريا هو تمرير ممنهج لمؤامرة دولية عربية لإنهاء الصراع العربي الصهيوني وقضية فلسطين، عبر تدمير سوريا وضرب قوى المقاومة تحت ادعاءات الادارة الاميركية بالدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية والعدالة وحقوق الانسان ليس سوى ادعاءات كاذبة تدحضها سياسة الكيل بمكيالين التي تنتهجها هذه الادارة اتجاه حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، التي تتعرض كل يوم للانتهاك من قوات الاحتلال الاسرائيلي في ظل الحماية الكاملة التي توفرها هذه الادارة لحكومة الاحتلال وصولا لفرض تسوية نهائية على الشعب الفلسطيني، حسب اللاءات الصهيونية الأمريكية.
كاتب سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت