فضائية الجزيرة والتطاول على الكبار

بقلم: إبراهيم أبراش


منذ تأسيس قناة الجزيرة عام 1996 وهي محل نقاش وجدل ما بين معجب بها باعتبارها تشكل ثورة في عالم الإعلام العربي ، ومشكك بدورها وخصوصا ببعض برامجها كبرنامج (الاتجاه المعاكس) الذي يقدمه فيصل القاسم منذ تأسيس الجزيرة حتى اليوم . لا شك أن كل طرف يجد في قناة الجزيرة ما يدعم رأيه، فالأولون لن تعوزهم الأسانيد التي تدعم رأيهم مثل سرعة نقل الخبر بسبب انتشار مراسليها في كل بلد بل في كل مدينة وتغطيتهم المباشرة للأحداث ساعة وقوعها،أيضا البرامج الوثائقية الممولة جيدا والموثَقَة بمصادر متعددة ،أيضا تواصلها مع كل التيارات والقوى السياسية الوطنية والدولية واستقطابها في بداية ظهورها لأهم الكتاب والمفكرين والسياسيين.

في المقابل يرد المشككون بالقول بأنه يفترض بالوسيلة الإعلامية أن يكون لها هدف وتحمل رسالة فلا يوجد إعلام موضوعي مائة بالمائة وإدعاء الجزيرة بأنها محايدة وموضوعية مردود عليه من هذا المنطلق فحتى الإعلام الأمريكي وخصوصا فضائياته تدافع عن المصالح القومية الأمريكية وعن الهوية والثقافة الأمريكية،فأثناء الحرب على العراق لم يسمح الجيش الأمريكي إلا لبعض الفضائيات الأمريكية بنقل الأحداث وكانت التقارير تمر على الرقابة قبل بثها للجمهور،ونفس الأمر بالنسبة للفضائيات الرسمية المحسوبة على الدول الأخرى ،ونفس الأمر بالنسبة لإسرائيل التي تمارس رقابة مشددة على إعلامها وخصوصا فضائياتها فلا تبث إلا ما يخدم المصلحة والأمن القومي الإسرائيلي .

فالإعلام جزء من الأمن القومي ويجب أن يخدم هذا الأمن ولا يجوز الحديث عن الموضوعية والحياد عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي،وهذا الأمر غير حاضر عند قناة الجزيرة التابعة مباشرة لدولة قطر وأميرها وممولة بالكامل منه ،فهذا القناة وكأن ثأر بينها وبين العرب تاريخا وثقافة وحضارة وحاضرا،فلا تترك مشكلة أو قضية صغيرة أو كبيرة إلا وتثيرها أو تفجرها دون أن تحسب حساب نتيجة ذلك على الأمن القومي العربي أو على وحدة الدول العربية واستقرارها أو قدرة المواطنين العرب على استيعاب هذه الأحداث،ليس هذا فحسب بل تتقصد قناة الجزيرة وبشكل انتقائي تركيز الضوء على بعض القضايا وبالنسبة لبعض الدول وتتجاهل ما يجري في دول أخرى ، وغالبا كانت القضايا التي يتم التركيز عليها وإثارتها تتوافق مع السياسة الأمريكية في المنطقة وظهر هذا جليا في زمن ما يسمى (الربيع العربي) حيث التحالف الثلاثي ما بين واشنطن والإخوان المسلمين وقطر وفضائيتها.

من خلال البث المباشر للصورة بكل تفاصيلها بشكل مبالغ فيه واستضافة كل من هب ودب من مدعي التحليل السياسي والخبرة الإستراتيجية والأمنية، كانت تجري عملية صناعة لجماعات وتيارات اثنية وطائفية وسياسية، ما كانت لتكون أو ما كانت لتأخذ هذا الحجم والاهتمام لولا قناة الجزيرة، ومن هنا نقول إن بعض الفضائيات وخصوصا الجزيرة لم تعد ناقلة للحدث بل صنعت أحداثا وزعامات سياسية وأثرت على مجريات الأمور في بعض البلدان حتى أن كثيرا من الدول العربية قاطعت قناة الجزيرة وأغلقت مكاتبها .كان لبعض البرامج في قناة الجزيرة وخصوصا (الاتجاه المعاكس) دور في تشويه تاريخ الأمة والقيادات الوطنية وعززت حالة تغييب التفكير العقلاني الاستراتيجي لصالح التحليل السياسي السطحي المُستَمد من الصورة مباشرة وما تتركه من انفعالات وعواطف، أو المستمد من المواقف الأيديولوجية المسبقة، كما ساعدت على تشتيت الوعي الجمعي والثوابت الوطنية والقومية بحيث أصبح كل شيء قابل للنقاش ومحل تساؤل وهذا بدوره ساعد على تسطيح الوعي السياسي في مجتمعاتنا العربية والإسلامية التي ما زالت في مرحلة بناء الأمة والوطن.

في هذا السياق تأتي استضافة الجزيرة وخصوصا من خلال برنامج (الاتجاه المعاكس) لأشخاص إمعات نكرة وموتورين ليتطاولوا على القيادات التاريخية العربية والوطنية كما حدث بداية الأسبوع عندما استضاف فيصل القاسم شخص إمعة وموتور ليتطاول على الرئيس أبو عمار ويتهمه بالخيانة . قد يقول قائل إن البرنامج يستضيف طرفين متعارضين ويتيح المجال لكل طرف ليعبر عن رأيه والقناة أو مقدم البرنامج محايد لا يتدخل في مجريات الأمور وكل ما يقال يُنسب لصاحبه وهو الذي يتحمل مسؤولية قوله . هذه التبرير غير صحيح لأن القناة قبل أن تستضيف شخصا يكون لديها معرفة مسبقة بآرائه وتستدعيه في الوقت الذي تختاره وليتحدث عن الموضوع الذي تريده القناة ، بل أكثر من ذلك فإن مقدم البرنامج فيصل القاسم يزود بعض الأطرف بمعلومات ووثائق تمكنه من (تسخين) الحلقة وتعمل على أن يقول الضيف بلسانه ما تريد قناة الجزيرة تبليغه دون أن تجرؤ على ذلك مباشرة .

هذا ما خبرته شخصيا ،فمنذ السنة الأولى لقناة الجزيرة اتصل بي فيصل القاسم حيث كنت مقيما في المغرب وطلب مني المشاركة في برنامجه بحلقة حول جامعة الدول العربية وقال بأن الطرف الثاني سيكون مندوب الجامعة في لندن وسيدافع عن الجامعة ودوري أن انتقد وأهاجم الجامعة ،فقلت أنا أستاذ جامعي سأتحدث عن سلبيات وإيجابيات جامعة الدول العربية كما أنه لا توجد عندي معلومات كافية حول سلبيات الجامعة ، فرفض وقال بالحرف عليك أن تنتقد فقط وتتحدث عن فضائح الجامعة وطلب مني إرسال رقم الفاكس ليزودني بكل المعلومات حول فضائح جامعة الدول العربية !، فرفضت هذا النهج بالرغم من تصريحه مباشرة بوجود مبلغ مالي مهم وتذكرة سفر وإقامة لثلاثة أيام في الدوحة في فندق درجة أولى. عندما رفضت المشاركة احضر فيصل القاسم شخص آخر وهو صحفي فلسطيني وأصبح سفيرا لفلسطين في دولة أسيوية كبيرة.بعد فترة اتصل القاسم مرة أخرى لأشارك في برنامج حول دول عدم الانحياز وكان الطرف الثاني الذي سيدافع عن الحركة احمد حمروش وهو شخصية مصرية محترمة ومعروفة فاعتذرت عن المشاركة وحل محلي صاحب ومدير تحرير أهم صحيفة لبنانية ،وتكرر الأمر مرات عدة وفي كل مرة كنت أرفض المشاركة في البرنامج.

قد يقول البعض إن في قولك تجن على الجزيرة ،ومن يقول ذلك عليه أن يتواصل مع الذين شاركوا في برنامج الاتجاه المعاكس وسيؤكدون على ما أقول ،وأتذكر وأُذكِر بحلقة في هذا البرنامج قبل فترة قصيرة كان أحد طرفيها عبد الحليم قنديل الصحفي المصري المعروف وفي الاتجاه المعاكس كان ممثل حماس السابق في إيران،ففي وسط احتدام النقاش في الحلقة قال قنديل لممثل حماس السابق : أنت لا يجوز لك أن تتحدث عن فلسطين والمقاومة لأنك لص سرقت ثلاثة ملايين من أموال الشعب الفلسطيني ثم تم تجميدك في حركة حماس ،ولم يرد الحمساوي بكلمة واحدة ،والسؤال كيف عَرفَ قنديل بعملية السرقة ؟ بالتأكيد الجهاز ألاستخباراتي للجزيرة هو من قام بذلك .صحيح أن كثيرا من المفكرين والمثقفين شاركوا في هذا البرنامج في بداياته وفي برامج أخرى في الجزيرة ولكنهم قاطعوها فيما بعد ، ومن يشارك اليوم غالبا شخصيات ليست ذات أهمية تسعى للشهرة أو تسعى للمال أو من يريد تبليغ رسالة سياسية تتوافق مع توجهات قناة الجزيرة وقطر.

من العيب على قناة الجزيرة أن تستضيف أشخاص ليقولوا مثل هكذا كلام عن الرئيس أبو عمار بعد أيام قلائل من زيارة الرئيس أبو مازن لقطر ومحاولاته فتح صفحة جدية مع الجميع ،ولو أن التطاول كان على رئيس وزعيم تاريخي لدولة أخرى لتوترت العلاقات الدبلوماسية بين هذه الدولة وقطر وتم إغلاق مكاتب الجزيرة ، ولكن يبدو أن قناة الجزيرة كما هي عادتها ترى في فلسطين والفلسطينيين حيطة واطية . على كل حال لا يعيب الرئيس الراحل أبو عمار أقوال السفهاء، ونقول لأولئك الذين ينقلبون على تاريخ الشعب الفلسطيني وينكرون جميل أبو عمار، يكفي الرئيس أبو عمار فخرا أنه قام بثورة وطنية وضعت فلسطين على الخارطة العالمية سياسيا ودفعت العالم ليعترف بالفلسطينيين شعبا من حقه تقرير مصيره السياسي،وهذا حدث في وقت كانت الجماعات الإسلاموية بعيدة كل البعد عن الثورة فكرا ومشاركة وكانت متهادنة مع الأنظمة ومع الغرب ، ويكفي الرئيس أبو عمار فخرا أنه تم اجتياح الضفة الغربية ومحاصرته في المقاطعة ثم اغتياله بسبب عملية تفجيرية في فندق بارك في ناتانيا في مارس 2002 قام بها شخص من حركة حماس،وقدم الراحل روحه فداء المقاومة رافضا أن يكون أداة بيد الاحتلال لمحاربة المقاومة .

‏12‏/09‏/2013

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت