في ذكرى اتفاق أوسلو، أين أصبحنا؟

بقلم: رشيد شاهين


عشرون عاما انقضت على توقيع الاتفاق المهين في أوسلو، هذا الاتفاق الذي ما زال يثير الجدل في الشارع الفلسطيني، لما جلبه من كوارث على قضية وشعب فلسطين. وهو مازال بين مؤيد يدافع عنه على اعتبار انه لم يكن بالإمكان أفضل مما كان، وبين معارض يعتبر انه تم من وراء ظهر القيادة والشعب الفلسطيني وتم التنازل فيه عن الثوابت التي طالما تغنينا بها، لا بل ومن اجلها قامت الثورة الفلسطينية وسقط عشرات الآلاف من أبناء فلسطين والعروبة وكثير من أحرار العالم.

الآن وبعد عقدين من الزمن على الاتفاق المشؤوم، وإذا ما أردنا أن نقف وقفة جادة نجري خلالها قراءة موضوعية، وأن نحاول بدون "عصبية" عمل جردة حساب بسيطة "أو معقدة" ما الذي يمكن أن نتوصل إليه؟

من يدافع عن أوسلو سوف يجادل بأنه اتفاق جيد، وفي هذا السياق يقول أحمد قريع في مقابلة مع صوت إسرائيل باللغة العبرية بمناسبة مرور عشرين عاما على أوسلو"اتفاق أوسلو لم يكن خطأ وإنما اتفاقا جيدا لمرحلة السنوات الخمس الانتقالية التي تم تحديدها".

وفي الدفاع عن الاتفاق، يقول المدافعون، لم يكن أمام القيادة الفلسطينية الكثير من الخيارات، خاصة في ظل هجمة عالمية على منظمة التحرير وبالتحديد بعد اجتياح القوات العراقية للكويت، حيث أصبح الوضع الفلسطيني في أسوأ مواقفه، وأدارت معظم الدول العربية ظهرها للفلسطينيين، كما كانت المنظمة على وشك الاندثار.

ولسوف يدعي من يؤيد هذا الاتفاق، انه ومن خلال أوسلو تم إدخال عشرات آلاف الفلسطينيين الذين عاشوا في المنافي ولوحقوا في دول الشتات. كما سيدعي هؤلاء انه تم الاعتراف بمنظمة التحرير وتم وأد الحلم الصهيوني بالسيطرة على فلسطين، كما تم الإقرار بوجود الشعب الفلسطيني الذي كانت الرواية الصهيونية تعمل على طمسه، وأن لا وجود لمثل هذا الشعب.

وعلى غرار معظم ما جرى بعد أوسلو وما زال، لم يكن هناك بين أعضاء القيادة الفلسطينية "منظمة التحرير الفلسطينية، أو حتى الفتحاوية" من يعلم عن تفاصيل ما جرى في أوسلو، إلا بعد أن تم التوقيع والإعلان عنه، وهذا ينسحب أيضا على القيادات العربية التي لم تكن تعلم بما جرى، ويمكن التذكير هنا بمواقف العديد من القيادات الفلسطينية التي استقالت احتجاجا، وكذلك بمواقف بعض القادة العرب، الذين "صدموا" بالإعلان عن الاتفاق.

هناك من حاول الترويج للاتفاق على انه "فتح مبين"، وانه بداية الانحدار لدولة الاحتلال، وتحدث هؤلاء عن التجارب التاريخية للثورات العالمية وعن اتفاقات حاولوا القول انها "مماثلة" ولا تختلف عن أوسلو، برغم أن ذلك يجافي الحقيقة. كما وصوروا للشعب الفلسطيني وللعالم، ان الدولة الفلسطينية قاب قوسين أو أدنى، وانها على بعد سنوات خمس فقط، برغم ما صرح به اسحق شامير في حينه من انه سيجعل المفاوضات تمتد لسنوات طويلة.

المعارضون للاتفاق كان لهم رأيهم وما زال، وهو يتجسد على ارض الواقع بخيبات كبيرة عاشها الشعب الفلسطيني منذ أوسلو وحتى الآن، فلم يجلب الاتفاق سوى ما يمكن ان يكون الأسوأ والأكثر سوادا في التاريخ الفلسطيني، ألا وهو الانقسام، كما استمر العدوان على الشعب الفلسطيني، ولم يتخلص من المهانة والاضطهاد والاغتيال والمطاردة والاعتقال، والأنكى من هذا كله، ان الكثير من هذا أصبح يمارس بأياد فلسطينية، عدا ما لهم من مآخذ على التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال والذي يعتبر الفصل الأكثر خزيا وعارا كنتيجة من نتائج أوسلو.

كما ان الاتفاق لم يوقف الاستيطان، لا بل زاد من وتيرته، كما زادت دولة الاحتلال من مصادرتها للأراضي الفلسطينية، ناهيك عن بناء الجدار الفاصل الذي التهم آلاف الدونمات، كما زاد من "نهم" المطالب الصهيونية، حيث برز إلى السطح ما يقال عن "يهودية الدولة" التي لم تكن متداولة في القاموس التفاوضي قبل عشرين عاما.

وفيما يتعلق بالمقاومة، فقد أصبح واضحا بعد أوسلو، وخاصة بعد سنوات من الانتفاضة الثانية، التي جُرّ إليها الجانب الفلسطيني لتكون مواجهة عسكرية بين طرفين غير متكافئين، ان الطرف الفلسطيني، حصر نفسه في مقاومة "لاعنفية" تحتاج إلى تراكمات طويلة من اجل ان تتحول إلى "نمط وسلوك" يمكن ان يؤدي في النهاية إلى تفجر انتفاضة شاملة، وهذا بدوره حدد وكشف للجانب الاحتلالي، السقف الأعلى المتوفر في الجانب الفلسطيني.

لقد جر الاتفاق على الجانب الفلسطيني العديد من الالتزامات والاتفاقيات التي صار من الصعب التخلص منها، وهي تصب في نهاية المطاف في صالح الجانب المعادي، والتي من بين أكثرها سوءا، الاتفاقيات الأمنية والتنسيق الأمني، عدا عن الاتفاقيات الاقتصادية الهزيلة المبرمة والتي جعلت من اقتصاد فلسطين رهينة لدولة الاحتلال.

إن الشرخ الذي صنعه الاتفاق في الصف الفلسطيني، لا بد ان يكون الحافز والدافع الذي يفرض على القيادات الفلسطينية التوقف أمامه، من اجل قراءة ومراجعة عامة وشاملة، حيث لا يجوز الاستمرار في التعامي عن النتائج الكارثية التي جلبها، والتي كان الانقسام المدمر احد أسوأ نتائجها، وبالتالي التوقف أمام ما يجري الآن من مفاوضات عبثية بإقرار الجميع، مفاوضات لن تجلب لشعب فلسطين إلا الويلات والمزيد من التنازلات التي تمس عصب الثوابت التي طالما تغنى الجميع بها.

13-9-2013

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت