تحالف استراتيجي جديد في المنطقة

بقلم: هاني العقاد


مازالت لغة الحرب والقنابل والصراعات والصواريخ والبارود تعلو على لغة السلام والتفاهم والتحاور وحل الأزمات السياسية عن طريق الحوار في المنطقة العربية ,كل يتهم الأخر بالعداء والتحزب ضده , أطراف تعتقد أنها الوصية على الشعوب وحقوقها وتستحل ما أمكنها من أراضي الدولة تحت اسم الشرعية , على نفس الخط دول مركزية تتباهي بقوتها لفرض وصاية جديدة على أقاليم يمكن أن تقسم وترسم وتثبت تقسيماتها على الخارطة السياسية , كل يسن سكاكينه ليذبح الأخر والجميع يبحث عن أكثر من سكين حتى أكثر من البارود , المنطقة العربية أصبحت منطقة أصحابها غائبون أو أدوات تائهون مع هذا وذاك على اعتقاد أنهم نصرتهم ولا يعرفوا أن صرتهم بتوحدهم و رص صفوفهم ..!, مع زيادة عبث الامبريالية وتدخلها في علاقة الشعوب بالأنظمة الحاكمة وعلاقة العرب بالعرب والإسلاميين والمسلمين ,والمسلمين والمسيحيين تزداد حالة العداء لأمريكا وحلفها وتنسلخ دول من التحالف الامبريالي وتستقطب في التحالف الجديد , وسيكبر التحالف الجديد وتخسر أمريكا مكانتها في المنطقة إن لم تتدارك أخطائها وتتراجع عن خططها الاستعمارية والتقسيمية .

ترتفع وتيرة الحديث عن الحرب مرة وتنخفض مرة أخري , فإن استقوي المعادي وصمت المعتدى عليه فإن وتيرة الحرب ترتفع ,وكما يقولون أن لم تشهر سيفك قطعوا رأسك وعلقوه على بوابة ليس لها صاحب , أما إن اصطف المعتدى عليهم صفا واحدا وسنوا سكاكينهم وساكوا أسنانهم وأشهروا سيوفهم فإن المستعمر الذي يتباهي بقوته يخاف الموت ويتراجع إلى حين اقتناص الفرصة التي من خلالها ينال من المقابل , هي تلك الحكاية في سوريا الدامية التي دفع شعبها من دماءه الكثير والمقابل لا احد يعرفه , ولو دققنا في الخلاف الحادث الآن وأطرافه فإننا نجرم الطرفين الحاكم والمحكوم والقاتل والمقتول والنظام والمعارضة لان استخدام السلاح لفض اختلاف وطني يعتبر جريمة لا تغتفر والاستقواء بقوى أجنبية لإسقاط حكم أو الاستيلاء على سلطة أمر في غاية الجبن والتخلف الوطني ويصل إلى حد الخيانة الكبرى .

اليوم بعد إسقاط المنظومة الدفاعية الروسية صاروخين بالستيين أطلقا من قاعدة أمريكية باسبانيا على سوريا و بعد استعراض روسيا قوتها بالمتوسط قبالة سواحل سوريا أجلت أمريكا ضربتها لدمشق وقبلت بالحل السياسي السلمي لقضية الأسلحة الكيماوية السورية والتي اقترحت خطتها روسيا لوضع الترسانة الكيماوية السورية تحت الرقابة الدولية تمهيدا لتدميرها , وصل الروس والأمريكان إلى صفقة تقضي بتدمير أسلحة سوريا الكيمائية حتى منتصف العام القادم وهذا يشير إلى أن تحولا هاما حدث في منطقة الشرق الأوسط يؤكد ظهور تحالف استراتيجي جديد تقوده روسيا و الصين بالمنطقة غير واضح معالم أعضائه بعد , إلا أنني اعتقد أن مصر على رأس هذا التحالف ,وهذا التحالف جاء كنتيجة طبيعية لتعامل أمريكا بوجهين مع قضايا الشرق الأوسط وخيبتها في حل الصراع العربي الإسرائيلي وانكشاف خطتها وفشل مشروعها المروع بعد سقوط الأطراف التي جندت لتنفيذه وانكشاف أمر سياستها الامبريالية في تغير الخارطة الجيوسياسية العربية لصالح المشروع الصهيوني ,وجاء هذا التحالف لمواجهة تدخل أمريكا في شؤون الشرق الأوسط التي لا تنتهي وهذا التحالف واقع الآن لا خيال ولا مجرد تقارب ولا مجرد فزعة عرب ولا نخوة حماية الحرية والديمقراطية .

اعتقد أن مفهوم الحرب بالمنطقة سيتغير وتعود إسرائيل إلى جحرها وتبقي على باب جحرها ترقب اصطياد فريسة لها لان حليفها بالعالم بدأ يحسب حساب معطيات أخري على الأرض ,لذا فأنني اعتقد أن الحرب من الآن فصاعدا هي حرب باردة لتفتيت الحلف الجديد والحيلولة دون تناميه وتقويته وبالتالي يصبح له قواعد على الأرض العربية و يصبح شوكة في حلق أمريكا التي تريد ابتلاع العالم العربي بفمها الواسع , وأعتقد أن أمريكا ستعود بعد قضية حل الأسلحة الكيماوية السورية والتخلص منها إلى ممارسة سياسة أكثر مرونة نحو قضايا الشرق الأوسط وقد تكف يدها من التدخل في شئون العالم العربي وتبنى أطراف سياسية أيدلوجية لتنفذ مخططاتها وتعود لخطط قديمة وهنا ستوقف اللعب على المتناقضات وستهدئ من اللعب بنار الإعلام الذي توظف له قنوات مستأجرة بلسان عربي لهذا الغرض , ولا استغرب تخلى الولايات المتحدة عن مشروعها الذي أخذت تنفذه منذ فترة وسقط لصالح مشروع جديد لإنشاء دولة فلسطينية مؤقتة علي أجزاء من حدود العام 1967 تكون نتاج المفاوضات الحالية بين الفلسطينيين والإسرائيليين وبذالك تقنع العرب أن مبادرة 2002 التي كانت تتزعمها السعودية ومصر والإمارات والأردن وحتى سوريا أصبحت نافذة وبالتالي تقطع الطريق على التطبيع الروسي العربي وتفتت التحالف الجديد وتقويته وتستبدله بالتطبيع العربي الإسرائيلي لتصبح فيه إسرائيل كيان مقبول بالشرق الأوسط .
[email protected]

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت