هناك أناس قد يكونوا على هوامش حياتنا ،ومعرفتنا بهم تكون عابرة كما السحب في حراكها وكالأيام التي تمر سريعا ،فتطوي صفحات أعمارنا لكن لمثل أولئك الأشخاص.. لهم بصمة فارقة في ذاكرتنا ووجداننا ..فهذا شاب ٌ أعرفه كان يعمل سائق توك توك ،من الشباب الكادحين ، حيث تزوج في سن مبكرة فتحمل المسئولية أيضا مبكرا ،وتحمل أعباء الزواج .. رغم أن أقرانه لم يزالوا يلعبون بالشوارع ،ويسهرون على مفارق الطرق ،كثيرا كنت أتصل به عندما أريد توصيل أي شيء من أثاث أوغيرة.. العجيبة أنه كان في لمح البصر يأتي إلىّ حيثما كنت ،كان يقود التوك توك بسرعة جنونية وكأنه يسابق الريح ،وكثيرا كنت أقول له لا داعي للعجلة ،تمهل قليلا في السرعة ،فكان يخفض من السرعة شيئا ما خجلا مني لكن ،ما هي إلا لحظات لتعود الأمور كما كانت ..حينها أيقنت أنه لا يرتاح ،ولا يهنأ له بال إلا إذا أسرع ،ما كان يعجبني فيه هو أنه كان دمث الخلق ..طيب القلب.. يرضى بالقليل ،وبما قسمه الله له ، برغم ظروفه المادية الضائقة ،ضيق الأفق عندما يحمل الإنسان همومه ويسير بها يطارد قساوة الحياة ،إلا أنه لم يكن أبدا ماديا في زمن طغت فيه المادة،وبسطت أجنحتها الشائكة بكل فظاعة لتمزق أواصر المجتمعات ،في زمن يقتل الابن أباه طمعا في الميراث ،ويقتل الأخ أخاه من أجل صراع على مسافة حدودية فاصلة لا تتجاوز النصف متر،ويبطش الجار بجاره بكل عته ،وحماقة ،وكل ذلك من أجل تحقيق رغبة برجوازية حاقدة ..!! المهم أني يوما كنت جالسا مع أحد الأقارب،والذي يمتلك حانوتا ليبيع ألأدوات الكهربائية ،وعندما قدم لي فنجان من الشاي رشفت رشفة واحدة ..وفجأة زاغت عيناي إلى صوره كانت ترقد تحت لوح زجاجي على مقربة مني فوق الطاولة ،حملقت بعيناي في الصورة.. نعم إنها صورته ..لكن ما الذي أتى بها إلى هذا المكان ،خاصة أنه كان يسكن في حي آخر ليس بقريب من منطقتنا ،لم ألحظ حينها الكلمات التي أسفل الصورة ،فسألت ذاك القريب: كيف تعرفت على هذا الشاب ؟! رد عليّ ،وقد بدت علامات الربكة و الدهشة على ملامحه،فقال وهل تعرفه ؟ قلت : نعم ..!! حينها قد فاجأني بخبر نزل عليّ كالصاعقة حيث قال :رحمه الله ،لم أعرفه ولكن أحد الأصدقاء قد أتى بالصورة ،ووضعها هنا ،فما علمته عنه انه مات في حادث سير مؤلم ،منذ ما يقارب الشهر ،حيث انقلب به التوك توك ، على دوار أحد الميادين المكتظة بالسيارات ،وبالمارة، وحسبما علمت أيضا أنه كان يقود بسرعة فائقة ولم يكن يعلم أنه يقترب بنفس السرعة ، من لحظة الموت التي يتوقف عندها كل شيء ،فسقط صريعا في الحال قبل أن تصل عربة الإسعاف..!!مسكين قد فارق الحياة،ولم ير بعد ابنته البكر أوابنه، فقد كانت زوجته حامل بالشهر التاسع.. حينها فقط أدركت أن الكلمات القليلة التي كانت بأسفل الصورة لم تكن إلا نعي ،ومواساة بوفاته..!!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت