حماس : ليس أمامك سوى العودة لحضن الشعب ؟؟

بقلم: طلعت الصفدي


زلزال ،طوفان ،عواصف اجتاحت جمهورية مصر العربية من مدنها وقراها من نيلها وبحرها ،من قناتها ورملها من صعيدها الى قاهرة المعز ،قاهرة قطاع الطرق ،ولصوص العصر المتحضر ،ثلاثة هبات وهزات بعمر الزمن والتاريخ ،لم يشهد مثيلها في عهود ما قبل التاريخ ،وعصور الفراعنة والغزوات الاسلامية ،هزت المعمورة ،أعادت سير التاريخ ،استرجعت جماهير مصر مصريتها العروبية وحضارتها المعطلة ،ودورها الذي رسمته الجغرافيا والتاريخ ،كرامة وحرية وعدالة اجتماعية ،ولا للتبعية ،ونعم للاستقلال الوطني ،واسقط ملايين البشر من الفقراء والمسحوقين من الشبيبة الى المرأة من المثقفين والمبدعين الى مشايخ الازهر ،وشيوخ الكنيسة ،وعشائر النخوة السيناوية ،وبحماية وحراسة جيشها الباسل التصدي لحكم الاستبداد والاستحواذ ،وكل دعاة المتاجرة بالوطن والدين ،ووجهت لطمة للوجه القبيح للإدارة الامريكية ،ولمشروعها الشرق الاوسط الكبير ،وبالضربة القاضية لحركة الاخوان المسلمين الذين فشلوا في ادارة السلطة والحكم في مصر ،وقضت على مشاريع توطين اللاجئين الفلسطينيين في سيناء ،وكل محاولات فصل غزة عن فلسطين ،وحددت بثورتها بوصلة الصراع نحو القدس نحو فلسطين التاريخية في الشمال ،وليس نحو سيناء في الجنوب .

أن الحياة مدرسة للصغار والكبار أفرادا وجماعات ،لقوى سياسية ثورية يسارية تقدمية تسعى لتغيير الواقع وحل كافة ازمات المجتمع من التخلف والفقر وفقدان الهوية والكرامة ،والفكاك من التبعية للنظام الرأسمالي العالمي ،أو مدرسة لقوى يمينية اصولية يهودية مسيحية اسلامية تعيدنا الى القرون الوسطى ،وعصور الظلام لا تؤمن بالتغيير ،وتقيدنا بمعاهدات الالحاق والخضوع لصندوق النقد الدولي .الحياة مدرسة للحكام والمتربعين على السلطة بديمقراطية الصندوق وحده ،او بالقوة والإرهاب والانقلاب ،فمن يريد معرفة الحياة ،عليه أن يعرف الواقع الذي يحياه ،كبداية الطريق لتغيير الواقع ،لكن كيف يمكن له معرفة الواقع وهو مشغول بذاته ومصالحه الخاصة ؟ العالم وكل ظواهره في الكون والمجتمع في حالة من الحركة والتفاعل ،يتغير يتبدل ،فالأمس ليس اليوم ،وليس الغد ،ولا يمكن عزل الظواهر الاجتماعية عن الواقع الاقتصادي عن الحياة السياسية يحكمها قوانين الترابط والتراكم ،وخاسر كل من يراهن على انظمة التخلف والقمع والتبعية المعادية للتنوير والحداثة ،وإعمال لغة العقل ،وبقائها يتناقض مع سيرورة التاريخ والتطور والتغيير .

العالم كله منذ ثورة 25 يناير 2011 وحتى اللحظة ،يتابع ما يجري في مصر العروبة من تغيرات ،وتفاعلات وتفجيرات ارهابية في عمق الوطن ،وفي مقدمتها السقوط المدوي لحركة الاخوان المسلمين ،والإسلام السياسي وتأثيره على كافة المشاريع المشبوه في المنطقة العربية والإقليمية والدولية ،وما يمس الصراع العربي – الاسرائيلي ،ويدرك الجميع أن قذائف الثورات المتلاحقة في مصر ،قد أصابت حركة حماس في العمق البنيوي واللوجستي والمالي باعتبارها جزءا من حركة الأخوان المسلمين ،وأفقدتها نصيرا رئيسا وشريكا ايديولوجيا ،بعد خسارتها لمواقع تحالفيه اخرى . هذه النتائج قد كان لها تأثيرات سلبية على واقع حركة حماس ،وأهالي قطاع غزة بحكم الجوار الحدودي والتاريخ المشترك والعلاقات الأسرية العميقة ،ومع أن القضية الفلسطينية تمر بأزمة حقيقية وكافة قوى الفعل السياسي ،فان حركة حماس بعد اشكالياتها مع الاشقاء المصريين ،وجدت نفسها في سجن كبير ،أوقعها في ورطة السلطة والحكم بعد أن تجففت منابع المال سواء عبر تدمير الانفاق ،او فقدان التواصل بالدول الداعمة لها ،وبعيدا عن

المكابرة والتصريحات والرسائل المتناقضة ،فان قطاع غزة الواقع تحت حكم حركة حماس ،يعيش أسوا مراحل تاريخه ،أدخلت اهالي قطاع غزة في تناقض مع الحكومة المقالة وحركة حماس بسبب الحصار الخانق ،وعجزها عن تقديم حلول لقضاياهم المعيشية والحياتية التي تتصاعد وتيرتها باضطراد.

وأمام الواقع المتردي والأزمة المستشرية في القطاع ،فان على المفكرين والمتنفذين في قيادة حركة حماس ان تعيد تقييم الواقع بعيدا عن المكابرة ،والعمل على استخلاص النتائج الذي صنعته أياديهم ومواقفهم وتوجههم ودخولهم في محاور اقليمية وعربية بعيدا عن المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني تحت ضغط الايدولوجيا الشمولية والحسبة الخاصة.

فانتظار عودة مرسى وحركة الاخوان المسلمين الى الحكم والسلطة من جديد ،بدعم من قطر وتركيا ومجموعات من المتطرفين والتكفيريين والقاعدة ،وخلق حالة من التوتر المستمر في الشارع المصري ،وتعطيل عمل مؤسسات الدولة ،وخارطة الطريق التي اعتمدتها حكومة الببلاوي ،وتعطيل دور الجيش المصري في حماية أمن الوطن والمواطن ،يشكل وهما يتنافى كليا مع منطق الواقع والمتغيرات على الارض ،خصوصا بعد أن فقدت شعبيتها وتحول الرأي العام المصري الى موقف الرافض لعودة مرسي وجماعته بسبب عجزه في ادارة الحكم واستئثاره بالسلطة ،وفشله في حل مشاكل الجماهير المصرية التي من أجلها قامت ثورة 25/1/2012 وما تبعها .

وتوجه حركة حماس لاتخاذ اجراءات قمعية ضد القوى السياسية ،ومكونات المجتمع المدني ،وخلق حالة من الرعب والفزع في الشارع الغزي ،وتشديد عمليات القمع والاستدعاء والملاحقات مستخدمة اجهزتها الأمنية ،ومنع حرية الرأي والتعبير والتظاهر وتضييق الحريات العامة والخاصة ،وزيادة الضرائب بهدف تمويل أنشطتها العسكرية والمدنية ،والتوجه لاستعراض عضلاتها ،وقوتها العسكرية بلا مبرر ،كمحاولة للتخويف بعد فقدانها الدعم والتأييد من ايران وسوريا وحزب الله ،سيساهم توجهها في التوتر المجتمعي ،ويزيد من حالة الغضب الشعبي ،وحالة الاحتقان مما تسرع في الانفجار القادم لأي سبب كان ،وتزيد من حالة الانقسام الداخلي ،وتعمق الاحتراب وإسالة الدماء في غير موضعها الحقيقي .

وإعادة علاقاتها التي خسرتها مع بعض الدول على حساب مواقفها السابقة ،يحتاج لجرأة وشجاعة ،بدءا من تغيير موقفها من الأزمة السورية بإعلانها عدم التدخل في شؤونها الداخلية ،وتجديد صلاتها التي انقطعت مع ايران وحزب الله ،والتأكيد للمصريين قولا وفعلا بعدم تدخلهم في الشأن المصري على الرغم من انتمائهم لحركة الاخوان المسلمين ،وأن تمارس دورها على الأرض في حماية الحدود خارجا وداخلا ،وتفتح طريقا لإنقاذها من تعميق الأزمة التي تنعكس بحكم سيطرتها على قطاع غزة على الحياة وسبل المعيشة،وبكونها الحاكمة فان عليها واجب ايجاد الحلول المقبولة .

ان الدخول في مغامرة غير محسوبة من قبل بعض المغامرين في حركة حماس ،والتنصل من الهدنة والتهدئة مع الاحتلال الاسرائيلي التي رعتها حكومة الاخوان في مصر ،واستجلاب ردات فعل الاحتلال الاسرائيلي ،بإطلاق الصواريخ والهاونات على المدن الاسرائيلية ،في ظل التوتر في المنطقة ،وانشغال الدول العربية بأوضاعها الداخلية ،بهدف استرضاء بعض الانظمة المتعاطفة معها وكسب ود الجماهير العربية لها البعيدة عن فهم الواقع ،وخلق حالة من التوتر في الشارع الغزي لإلهائه عن المطالبة بحل قضاياه المعيشية ،دون حسبان كيفية تصرف الاحتلال الاسرائيلي على التصعيد من جانب حركة حماس والتابعين لها ،ومهما يكن فان الاحتلال

الاسرائيلي في هذه الحالة لن يكون هجوميا وكاسحا حتى لا يتوحد الشارع الفلسطيني ،وحتى لا يساهم بإنهاء الانقسام ،وسيخطط على بقاء الحالة الراهنة ومحافظا على التهدئة .

ان كافة الطرق متشعبة والخيارات صعبة ،وحرصا على حركة حماس كجزء من الشعب الفلسطيني ،والنظام السياسي الفلسطيني ،وحتى لا تضل الطريق ويستفرد بها الآخرون ،فلن يبقى لها سوى طريق وحيد للنجاة ،والخروج من دوامة الأزمة التي تلفها وتلف شعبنا الفلسطيني إلا بالعودة الى حضن الشعب الفلسطيني ،والمساهمة الجدية والفاعلة في انهاء حالة التشرذم والانقسام ،واستعادة الوحدة كمخرج ليس لازمة حركة حماس بل لازمتنا جميعا ،وعلى القيادة الفلسطينية في رام الله ان تساعد حركة حماس دون انتظار ،والعمل على تطبيق ما تم التوافق عليه في القاهرة والدوحة بأسرع وقت ،خصوصا مع العودة للمفاوضات تحت الضغط الامريكي والإسرائيلي دون الاستجابة لمقومات نجاحها ،وفي المقدمة منها وقف الاستيطان ،وتحديد المرجعية ،والإفراج عن الاسرى ،والعمل على انجاح المصالحة ،ووضع استراتيجية سياسية وكفاحية للدفاع عن حقوقنا وثوابتنا الوطنية ،ومواجهة التناقض الرئيس مع الاحتلال الاسرائيلي موحدين .

طلعت الصفدي غزة – فلسطين

السبت 21/9/2013

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت