على مدى خمسة وستون عاما والشعب الفلسطيني يقدم التضحيات في سبيل تحقيق اهدافه الوطنية المشروعه ، ويخاطب العالم من اجل تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ، هذا العالم الذي يقف متفرجا على ما يقترفه الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني ـ وهذا الكيان العنصري القائم على القتل والعدوان.
وامام هذا الواقع المرير الذي يعانيه الشعب الفلسطيني لم نعلم ما سر البعض بالتمسك بعملية التفاوض ، ومن دون مرجعية وخيارات وبدائل ونحن نرى ان كل ما يجري يصب في خدمة العدو الصهيوني لتكريس الوقائع على الارض ، بينما العرب موقفهم اصبح واضح ، فهم يقدمون المزيد من التنازلات. ويغطون ما تريده امريكا لفلسطين والمنطقة من مشاريع.
لهذا نقول بكل وضوح كفى الشعب الفلسطيني مفاوضات على مدار عشرون عاما الحقت أضراراً جسيمة بالشعب الفلسطيني وبقضيته الوطنية، فهذه المفاوضات وبرأي جميع القوى هي مفاوضات عبثية وتشكل خطرا حقيقيا بل مؤامرة على الحقوق المشروعه للشعب الفلسطيني، مما يتطلب موقفا صريحا من القيادة الفلسطينيه بهذا الشأن ، قبل ان ينام ويصحى الشعب الفلسطيني على اتفاق اسوأ من اوسلو . ومن مفارقات وغرائب هذا الزمن الفلسطيني الرديء ، وخاصة ان اللقاءات مع الامريكي لم تعط سوى خيبات الامل والمصافحة ، فكيف لا والادارة الامريكية تغطي من كل ما تفعله حكومة الارهاب من جرائم في حق الفلسطينيين،وهذا يعبر سياسيا وأخلاقيا عن سلوك الإدارة الأميركية الذي يجب التصرف معها بحزم .
ونحن اليوم نلتفت الى الظروف الفلسطينية والعربية التي تتوجها الأزمات، وتتراجع فيها عوامل المشاركة والتعاون والتنسيق بين العواصم العربية ليحل مكانها التشرذم ، نرى الممارسات العدوانية لحكومة الاحتلال من خلال الاستيطان، والارهاب والاعتقال والقتل ، بينما يبشر كيري بأن النتائج النهائية لهذه المفاوضات ستظهر خلال المدة المحددة، أي إنها تبدأ وتنتهي في ظل الحالة العربية والفلسطينية البائسة، مما يؤكد أننا الآن لسنا فقط أمام مجرد مفاوضات ، بل أمام تصفية تاريخية نهائية لقضية فلسطين، تمتد سلطة الكيان الصهيوني من البحر إلى النهر، وتحول شعب فلسطين من صاحب أعدل وأشرف قضية في القرن العشرين، إلى كتل بشرية ممزقة ومشتتة، وهو ما تعيه جيدا الولايات المتحدة وحليفتها "اسرائيل" ، حيث سيكون سلام الراية البيضاء طوعا أو كرها، من خلال تقديم تنازلات خطيرة مقابلها يتم الحصول على أشياء ثانوية أو إجرائية مثل الإفراج عن بعض الأسرى، والإفراج عن أموال فلسطينية محتجزة في خزائن حكومة الاحتلال ، مع تقديم مساعدات مالية واقتصادية من اجل استمرار السلطة الفلسطينية في دَفْع رواتب موظفيها.
وفي ظل هذا الوضع الخطير نقول ان مسار الوضع في المنطقة وما نراه في مصر وسوريا على يد الإرهاب الأسود وداعميه ومموليه ورعاته، من الدوائر الأميركية والغربية، اتت المبادرة الروسية بشأن الأسلحة الكيماوية السورية ، والتي وضعت الادارة الامريكية في مآزق امام شعوب العالم بانها لم تعد القطب الأوحد في النظام الدولي، وأنها لم تعد الآمر الناهي في العالم، رغم قناعتنا بان المسار الدبلوماسي ما زال مفخخاً بالكثير من الألغام والقنابل الموقوتة ، وخاصة ان الجميع يتنظر انعقاد جنيف 2 وما قد يصدر من قرارات دولية بهذا الشأن ، وخاصة في ظل تصاعد وتيرة الفتنة الطائفيه والمذهبيه التي ترسم حدودها بالدم ،ولهذا لا بد من التريث والتعقل قبل المراهنة على نجاح المبادرة الروسية، و كذلك عدم الإستعجال بالحكم على نتائجها ، لان الدوائر الاستعمارية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ما زالت تسعى عبر محاولاتها للهيمنة والسيطرة على المنطقة إلى إقامة "الشرق الأوسط الجديد، والحفاظ على أمن إسرائيل وتدفق النفط وتكريس تفوقها الاستراتيجي وتمتعها بأمن طويل المدى لتتفرغ فيه للمزيد من الاستيطان والتهويد للأراضي الفلسطينية المحتلة، ، متخطيا بذلك ما سيترتب على المبادرة الروسية.
ان ما تمارسه الإدارة الأمريكية من ضغوط على الطرف الفلسطيني باعتباره الأضعف في المعادلة بات مفضوحا للجميع بهدف افراغ القضية الفلسطينية من المحتوى والجوهر لتصبح القضية مجرد اشكال وخلاف يجب أن يحل بتفاهمات بين طرفي الصراع الفلسطيني الصهيوني، فاللاجئين أصبحت مشكلة يجب حلها برضى الطرفين وليس اقرارا دوليا بحق الشعب المهجر بالعودة والتعويض، والقدس أصبحت حرية الوصل للأماكن المقدسة دولة بلا حدود هلامية مقطعة الأوصال غير قابلة للحياة ينخر بها سرطان استيطاني كأمر واقع، هذا الواقع الذي وللاسف تساهم فيه بعض الدول العربية وتركيا ايضا للأقرار والاعتراف به والذي يلقى من الطرف المفاوض بعض التجاوب لكن بقيت مشكلة تمريره والتغلب على العراقيل ومدى استعداد الشعب الفلسطيني لتقبل ذلك، هذا الشعب الذي يمارس بحقه سياسة الترويض بنفس طويل والتأثير عليه وخنقه في عنق زجاجة ليطالب هو بالحل المطروح وإن كان حلاً مسخاً، من الواضح ان الاوضاع في المنطقة وصمود الشعب الفلسطيني ودور قواه هو الذي يحدد نجاحه أو فشله ، وكذلك الدور الروسي والصيني وصمود القوى الحليفة للشعب الفلسطيني وخاصة مصر لما لها من تأثير كبير على دول العالم العربي .
ان الحديث عن التمسك في نهج المفاوضات التي ثبت فشلها وعقمها ، والحديث عن نهاية سعيدة ،لم يؤدي الى اي نتيجة ،ولا وقت للمزايدات او المهاترات،فالشعب الفلسطيني الذي يصمد في وجه الاحتلال ويقاوم من اجل استعادة حقوقه ويدافع عن مقدساته ، هو بحاجة الى إنهاء ظاهرة الانقسام بأسرع ما يمكن واستعادة وحدة الارض والشعب والوطن،وكذلك يجب عدم الركون الى المواقف الامريكية والأوروبية في الضغط على إسرائيل لوقف الاستيطان،فهي فقط تبيعنا أوهام وشعارات بينما تستمر في دعمها لإسرائيل في كل ما تقوم به من إجراءات وممارسات لإنتهاك القانون الدولي،وكذلك هي التي توفر لها المظلة والحضانة والحماية في المؤسسات الدولية التي قد تتخذ بحقها أو العقوبات التي قد تفرض عليها،وهذا يوجب على القيادة الفلسطينية ضرورة التوجه الى خوض معركة سياسية جديدة من خلال التوجه لمحكمة الجنايات الدولية من أجل إلزام حكومة الاحتلال بوقف كل أنشطتها الإستيطانية،وتفعيل القرارات السابقة الخاصة بالقضية الفلسطينية،وبالذات الرأي الاستشاري لمحكمة لاهاي الدولية،بخصوص عدم شرعية جدار الفصل العنصري ، ومحاكمة قادة الاحتلال على جرائمهم بحق الارض والانسان.
وامام ما تتعرض له القضية الفلسطينية نرى ان على حركة حماس مراجعة مواقفها والالتزام بقرارات الاجماع الوطني الفلسطيني ، والابتعاد عن سياسة فرض الرؤى الفكرية الخاصة بها على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، لا بأسلوب التدرج ولا بأسلوب الضغط والقمع ، لان الشعب الفلسطيني صاحب التجارب النضالية يرفض الانغلاق والتطرف وإقصاء الأخر، ويطمح لفضاء الحرية، وان حركة حماس لم تستطيع فرض افكارها على الناس مهما كانت الوسائل والأساليب، ففي التاريخ الإسلامي عبر، وكذلك في التاريخ الإنساني ما يعلمنا الكثير، وفي تجارب ، والشعب الفلسطيني له تقاليده الوطنية ، والدين الاسلامي ليس دين تطرف بل دين التسامح والمحبة، وبالقيم الإنسانية التي لا تعرف حدود .
ختاما لا بد من القول ان على جميع القوى والفصائل العمل على تحمل عبء النضال الوطني وإدارة الشأن الفلسطيني بما يعنيه ذلك من عدم الإقصاء ومن خلال إقرار مبدأ الشراكة الحقيقي ، و بالابتعاد عن التأثيرات الإقليمية الضارة للقضية الفلسطينية والتعامل مع إرادة الشعوب العربية على قاعدة احترام تلك الإرادة وإدانة أي عدوان خارجي على تلك الشعوب والدول وعدم التدخل في الشأن الداخلي لتلك الدول والشعوب خاصة في مصر وسوريا ، وهذا ايضا يتطلب تحريك الشارع الشعبي الفلسطيني باعتباره قوة ضاغطة على طرفي الانقسام ومشاركة جميع قوى وقطاعات الشعب السياسية والمجتمعية من اجل رفع شعار انهاء الانقسام الداخلي والتمسك بالثوابت الفلسطينية وخيار المقاومة بمواجهة الاحتلال .
كاتب سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت