المهم أن حب الوطن والدفاع عن مصالحه والتمسك بثوابته لم يعد يتعلق بما نقدمه لتخفيف آلامه ومعاناة قاطنيه، بل بتنا نعتمد على قصور الآخر الذي لا نرى فيه إلا الوجه القبيح، نظرتنا تخلت عن موضوعيتها وبات كل منا لا يرى الآخر إلا بالشكل الذي يريده، ولا يسمع عنه إلا بما تطرب له أذناه وتدغدغ عواطفه الكاذبة، العاطفة التي نجتهد لنغلف بها العقل والمنطق، المرض المزمن الذي بات يضرب أطنابه في جسدنا، أننا لم نعد نسمح لعقولنا بأن تفكر بعيداً عن قوقعة الحزب، ونطوق نظرتنا لنبقيها تحت أقدامنا، فلم يعد أمامنا سوى الخيار الذي ارتضينا أن نكون أسرى له.
ثقافة الأبيض والأسود أسقطناها على جوانب حياتنا المختلفة، لم نعد نرى من الألوان سواهما، رغم أن هنالك بينهما من الألوان العديدة، كما هو الحال في تقسيم اليوم بين الظلام والنور، دون أن نتوقف عند المساحة الزمنية التي يتم التداخل بينهما، ورغم ما توصل إليه الإنسان من قوة وجبروت إلا أنه لم ولن يتمكن من هزيمة الطبيعة، حيث يبقى الليل ليلا، والنهار نهارا، وبينهما مساحة كافية لأن تجعلنا نتحرر من الثقافة المختزلة في الأبيض والأسود.
القيد الذي يدمي معاصمنا، أن كلا منا يؤمن بأنه يمتلك الحقيقة كل الحقيقة، ليس هذا فحسب بل تحول مفهومه لحب الوطن إلى مادة يبرر بها أخطاءه وخطاياه، كم نظلم الوطن حين ندعي عشقه لنا دون سوانا، وكم نجرم بحق الوطن حين نحجر مستقبله في رؤيتنا دون أن نسمح بأن يفكر الغير بطريقة مغايرة لتفكيرنا.
لم تهبط علينا ثقافة الأبيض والأسود على حين غرة، فنحن تشربناها على مدار أجيال متعاقبة، والخروج من بوتقتها يحتم علينا التفكير مليا فيما بينهما، وإيجاد القواسم المشتركة التي تمكننا من رسم لوحة جديدة تتداخل فيها الألوان، دون أن يسجل أحدنا ملكيته لها، السؤال الذي يجب أن نتوقف جميعنا أمامه، كيف يمكن لنا أن نعرف من ضحى بحياته دفاعاً عن الوطن وكرامته ولم يكن يشاركنا الفكر والمنهج؟، هل نقر له بحب الوطن؟ وماذا عن تضحيات الأجيال المتعاقبة؟ هل نسجلها في صفحات تاريخنا بالشكل الذي نريده أم بالحقيقة المجردة التي كانت عليها؟.
المؤكد أن حب الوطن ليس حكراً على فئة دون أخرى، ولسنا بحاجة إلى حب وطن ينفي الآخر، كما أن الوطن ليس بحاجة لحب على طريقة بروتوس.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت