إذا... فكيف؟!

بقلم: أيوب عثمان


إذا كان فقهاء القانون الدستوري قد عرَّفوا "الانقلاب" بأنه "الإطاحة برئيس شرعي منتخب وصل إلى سدة الحكم عن طريق انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة، فيما عرَّفوا "الثورة" بأنها "فعل ثوري ضد رئيس ظالم مستبد جائر وصل إلى الحكم عن طريق غير شرعي،
وإذا كان ما حدث في الثلاثين من يونيو 2013 لا يستطيع أي أحد أن ينكر أنه تحرك شعبي ضخم وهائل وكبير، كما لا يستطيع أي أحد أن ينكر أن ذلك التحرك الشعبي الضخم والهائل والكبير والخطير لم يكن تحركاً اجتمع عليه وقادهُ اتجاه شعبي واحد له مطلب شعبي واحد وموحد، كما كان الحال في ثورة 25 يناير 2011، وإنما كان تحركاً منقسماً بين اتجاهين شعبيين ضخمين متقابلين ومتعارضين،
وإذا كان طارق البشري، المفكر المصري الذي يكتب في القانون والتاريخ والفكر، والذي عيّنه المجلس الأعلى للقوات المسلحة في فبراير 2011 رئيساً للجنة تعديل الدستور المصري، قد وصف ما حدث في مصر يوم الثالث من يوليو 2013 بأنه انقلاب عسكري عطل العمل بالدستور المستفتى عليه، والذي لا يجوز- البتة- تعديله إلا وفق أحكام جرى النص عليها فيه، كما عزل واعتقل رئيس الدولة الذي فاز بالرئاسة في انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة، وأغلق محطات التلفزة والفضائيات المعارضة، وأسقط كلاً من مؤسسة الرئاسة، ومؤسسة مجلس الوزراء، والمؤسسة النيابية، وعيّن رئيساً مؤقتاً للدولة ومنحه سلطة إصدار القوانين والأحكام الدستورية،
وإذا كان رفيق حبيب، المفكر المصري القبطي، قد وصف ما حدث في الثالث من يوليو 2013 بأنه "بالفعل انقلاب عسكري، بدعم من قطاع من المجتمع لتحقق الثورة المضادة أول انتصار لها على ثورة 25 يناير 2011، وتصبح الثورة المصرية، بل والربيع العربي كله في خطر. فالانقلاب العسكري أعاد النظام السابق الفاسد للحكم، بعد أن أسقطته ثورة يناير"،
وإذا كانت القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي قد أعلنت يوم الخميس 1/8/2013 أن "نتنياهو طلب من أوباما الضغط على الزعماء العرب لتكثيف زياراتهم لمصر من أجل تكريس شرعية الانقلابيين"،
وإذا كانت صحيفة "هآرتس" قد أكدت قيام إسرائيل بجهود مضنية في واشنطن ولدى دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة كي تتجنب الإدارة الأمريكية وصف ما حدث في مصر بأنه "انقلاب عسكري"، وهو ما يعني- طبقاً للقانون الأمريكي- وقف الدعم الأمريكي لمصر بسبب أن حكومتها حكومة أنشأها انقلاب عسكري،
وإذا كان الجيش المصري قد وجه- حسب صحيفة "هآرتس" ذاتها- شكره وامتنانه لإسرائيل على جهدها الجبار لدعم الجنرالات المصريين وتعزيز مكانتهم لدى الإدارة الأمريكية،
وإذا كانت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية قد وصفت- في تقرير مطول لها- ما جرى في مصر بأنه "انقلاب عسكري"، قائلةً: "إن إسرائيل تدعم الانقلاب العسكري في مصر وتساند الجيش المصري بقوة لأنها ترى فيه مصدراً لاستقرارها"، في إشارة منها إلى موقف إسرائيل من الانقلاب العسكري ومن الجيش المصري، مؤكدةً أن "الانقلاب العسكري في مصر وحد الموقف بين واشنطن وتل أبيب تجاه الشرق الأوسط لأول مرة منذ فترة طويلة"، مضيفةً أن "أوباما لم يسحب الدعم الأمريكي لمصر بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المنتخب، بينما تساند إسرائيل بقوة الجيش المصري بصفته مصدر استقرار لها ولأمنها والمنطقة كلها"،
وإذا كان جون ماكين وليندسي غراهام، العضوان في مجلس الشيوخ الأمريكي، اللذان زارا مصر بعد الانقلاب، قد وصفا ما جرى في مصر بعد الثالث من يوليو 2013 بأنه "انقلاب عسكري"، مشيرَيْن إلى حقيقة مفادها أن "من يحكمون مصر اليوم هم ليسوا منتخبين، فيما المنتخبون إما معتقلون أو ملاحقون"،
وإذا كان فريق الأمن القومي الأمريكي في البيت الأبيض قد أوصى الرئيس الأمريكي أوباما بتعليق المساعدات الأمريكية على خلفية الانقلاب العسكري الذي قاده وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي على الرئيس المصري المنتخب،
وإذا كان مسؤول أمريكي كبير طلب حجب اسمه- حسب صحيفة الشروق المصرية الصادرة في 5/8/2013- قد صرح بأن "الجيش أهم حليف لنا في مصر"،
وإذا كان السيسي قد صرح في حوار له مع صحيفة واشنطن بوست في 3/8/2013، قائلاً: "إن واشنطن ليست بعيدة عن أي شيء يحدث في مصر"، وأنه "وضع الإدارة الأمريكية في صورة الوضع الداخلي قبل عدة أشهر من عزل الدكتور/ مرسي"، طالباً الدعم والمشورة والنصح، "كون الولايات المتحدة شريكاً وحليفاً لمصر"،
وإذا كان بنيامين بن إليعازر، وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، قد وصف الرئيس المخلوع، حسني مبارك، بقوله إنه كان "وطنياً" وإنه "كان كنزاً استراتيجياً لإسرائيل، وإن المصريين يفتقدونه الآن"، فيما وصف وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي بأنه "أنقذ مصر من حكم الإخوان المتطرفين"،
وإذا كان "الانقلاب في مصر"- كما وصفه إفرايم هاليفي، رئيس الموساد الأسبق، قد دفعه إلى القول: "إنَّ نجاح الانقلاب على مرسي سيعزز مكانة الولايات المتحدة الأمريكية وهذا بدوره سيعزز مكانتنا الإقليمية"، فيما حرَّض البروفيسور إفرايم كام، كبير باحثي مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، إلى المسارعة في التحذير من خطورة فشل ما وصفه بالانقلاب العسكري في مصر، حيث قال في مقال نشره في صحيفة "إسرائيل اليوم": "إن مصلحة إسرائيل تقتضي نجاح تحالف العسكر والليبراليين"،
وإذا كان آمنون إبراموفيتش، معلق القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي، قد وصف شعور نتنياهو حول الانقلاب بقوله: "بالنسبة لنتنياهو، إنجاح الانقلاب أهم من إحباط البرنامج النووي الإيراني"، فيما وصف أودي سيغل، المعلق الإسرائيلي في القناة الإسرائيلية الثانية، شعور نتنياهو بعد نجاح الانقلاب بقوله: "إن نتنياهو أكثر الناس سعادة على وجه الأرض بسقوط مرسي لأن مرسي جرح كبرياءه خلال الحرب الأخيرة على غزة"،
وإذا كان عاموس هاريل، أحد أشهر الخبراء الإعلاميين في مجال العسكرية والدفاع، قد كتب في صحيفة "هآرتس" أنه من الصعب تجاهل حقيقة أن الإسرائيليين والسلطة الجديدة في مصر تتشاركان ليس فقط في تعاون تكتيكي مؤقت، وإنما تتقاطعان للمصالح الاستراتيجية بين البلدين، مؤكداً أنه "على المدى القصير فإن أمن إسرائيل على حدودها الجنوبية والغربية قد تغير بشدة ناحية الأفضل بعد الانقلاب العسكري".
وإذا كان دان مرغليت، كبير المحللين والمعلقين في صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية، وأقرب المقربين إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، قد أعرب عن خشيته من فشل الانقلاب العسكري الذي قاده وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي، قائلاً: "سنبكي دماً لأجيال إن سمحنا بفشل الانقلاب وعاد الإخوان إلى الحكم، والعالم إن سمح بعودة الإخوان إلى الحكم، فإنه يتوجب على إسرائيل فعل المستحيل لضمان عدم حدوث ذلك، لأن الإخوان، في حال عادوا، سيتوجهون إلى الانتقام من إسرائيل لإدراكهم دور إسرائيل في دعم السيسي"، مضيفاً القول بأن "السيسي يمعن في القتل لأنه يدرك مغزى فشله، وعلينا التجند لإنجاح حكمه، فهذه قصة حياة أو موت ليست بالنسبة له فحسب، بل بالنسبة لنا أيضاً"،
وإذا كان رؤوفين بيدهتسور، الجنرال الصهيوني في سلاح الجو الإسرائيلي والمحلل العسكري والخبير الاستراتيجي في صحيفة "هآرتس"، قد وصف الجيش المصري بالتورّط في السياسة، قائلاً: "إن تورط الجيش المصري في السياسة على هذا النحو سيضمن استمرار تفوقنا النوعي والكاسح على العرب لسنين طويلة"، فيما وصف المستشرق الصهيوني، آفي ميدا، الجهد العظيم الذي يبذله الجيش المصري، قائلاً: "إن الجهد العظيم الذي يقوم به العسكر في مصر من أجل تغيير البنية الثقافية سيلعب دوراً في إضعاف التطرف الإسلامي"،
وإذا كان عاموس جلعاد، المدير السياسي والعسكري لوزارة الدفاع الإسرائيلية، وفي كلمة ألقاها أمام المؤتمر الدولي لمعهد مكافحة الإرهاب في هرتزليا، قال واصفاً وزير الدفاع المصري الفريق أول عبد الفتاح السيسي بأنه "زعيم جديد سوف يتذكره التاريخ لأنه أنقذ مصر من السقوط في الهاوية"، مشيداً بالعمليات العسكرية للجيش المصري في هدم الأنفاق والمنازل على حدود قطاع غزة من ناحية، ومشيداً أيضاً بتصدي الفريق السيسي لجماعة الإخوان المسلمين التي لم تتخلَ عن التزامها الأيديولوجي بتدمير إسرائيل"، من ناحية أخرى،
وإذا كان دان حالوتس، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، قد قال في حوار لإذاعة الجيش الإسرائيلي: "إن أهم نتيجة لخطوات السيسي الأخيرة، هي إضعاف الجيش المصري على المدى البعيد"،
وإذا كان الاتحاد الأوروبي قد قرر تعليق تزويده مصر بأسلحة وتجهيزات أمنية بسبب الانقلاب العسكري على رئيس أوصلته انتخابات ديمقراطية إلى كرسي الرئاسة،
وإذا كان الاتحاد الأفريقي قد جمّد عضوية مصر فيه بسبب تعطيل الحياة الدستورية والانقلاب على رئيس منتخب،
وإذا كانت حركة "قضاة من أجل مصر" قد وصفت الوضع السياسي في مصر الآن بأنه "عبثي وانتقامي"، مؤكدةً أن الجيش ينتقم من كل معارضي الانقلاب على ثورة 25 يناير من أجل العودة إلى حكم العسكر"،
وإذا كان البروفيسور عوزي رابي، رئيس مركز ديان في جامعة تل أبيب، قد اعتبر أن الانقلاب العسكري كان ضربة شديدة وهزة هائلة، متوقعاً أن "آثارها ستكون ملموسة"،
وإذا كان التلفزيون الإسرائيلي- حسب مسؤول سياسي وُصِف برفيع المستوى في الإدارة الأمريكية- قد كشف النقاب عن أن الحكومة الإسرائيلية توجهت من خلال مسؤولين كبار في الإدارة الأمريكية لمطالبة واشنطن عدم المس بالمعونات الأمريكية المخصصة للجيش المصري والتي تبلغ قيمتها حوالي مليار وثلث المليار من الدولارات،
وإذا كانت الحكومة الإسرائيلية- حسب التلفزيون الإسرائيلي- قد شددت على أن المس بالمعونات الأمريكية للجيش المصري سيلقي بظلاله السلبية على الأمن القومي الإسرائيلي، بما في ذلك اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل،
وإذا كان الجنرال غيور آيلاند، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق، قد وصف الأحداث في مصر بأنها "تبشر بالخير لإسرائيل"، مضيفاً قوله: "إننا كإسرائيليين خشينا قبل سنة من حكم الإخوان المسلمين من أن يقوم النظام الجديد بدعم حماس، وفي هذه الأيام وصل حكم الإخوان إلى خط النهاية تقريباً، وبالتالي يمكن شطب الخشية والقلق منهم"، مشيراً إلى أن النظام الجديد سيقوم بتطبيع العلاقات كما يجب مع إسرائيل،
وإذا كانت عدة محاولات بذلت من محللين عسكريين وسياسيين ومن أصحاب القرار في إسرائيل لإقناع الإدارة الأمريكية بدعم الانقلاب العسكري في مصر على نحو مطلق حتى لو امتلأت ميادين مصر وساحاتها وشوارعها بآلاف الجثث من رافضي الانقلاب،
وإذا كان أرئيل كهانا، كبير معلقي صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، قد وصف العلاقة بين إسرائيل والسيسي بـ"الغرام الأمني"،
وإذا كانت إيالا حسون، مقدمة البرنامج الحواري الشهير في القناة الإسرائيلية الأولى، قد تساءلت قائلةً: "حتى مبارك لم يجرؤ على التعاون الفعلي معنا، لماذا يفعل ذلك السيسي تحديداً؟"
وإذا كان ما حدث في مصر في الثالث من يوليو 2013 قد حفز ألون ليفين، وكيل وزارة الخارجية الإسرائيلية الأسبق، على نشر بحث عنوانه: "انتهى حلم الديمقراطية العربية"،
وإذا كان نتنياهو قد عكف، في حينه، وبالتعاون مع السيناتور الجمهوري الأمريكي، راند بول، على الدفع نحو تبني الغرب خطة "مارشال" جديدة لدعم الاقتصاد المصري بهدف إنجاح الانقلاب وضمان نجاحه في تحقيق أهم ما تراهن عليه إسرائيل وهو قتل عملية التحول الديمقراطي في العالم العربي،
وإذا كان ما يعرف بـ"لواء الأبحاث" في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية قد قدم للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست تقريراً كشفت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن مضمونه الذي يشدد على أن نجاح الانقلاب وتسليم الشعب المصري بنتائجه سيكون من أهمها أنه سيحاصر الربيع العربي ويجنب إسرائيل "ثماره السلبية"، مؤكداً على ضرورة العمل مع الغرب كي يشعر الشارع المصري بما أسماه "العوائد الإيجابية" للانقلاب وصدقية تحالف العسكر مع الليبرابيين من خلال توجيه مساعدات مالية هائلة لمصر في الوقت الحالي تحديداً،
وإذا كان الرئيس الإسرائيلي شيمون بيرس قد عبر للمسؤولين الذين التقاهم مؤخراً عن شديد قلقه مما أسماه "العوائد الكارثية" للدعم الإسرائيلي المعلن للانقلاب في مصر ولاستعداد نتنياهو توفير دعم سياسي ومالي دولي للانقلابيين، معبراً – حسب الإذاعة العبرية- عن قلق لديه مبعثه عدم يقينه بنجاح الانقلاب في نهاية المطاف، ذلك أن إسرائيل ستكون- حسب قوله- الدولة الأولى التي سيتم عقابها آنئذ،
وإذا كانت صحيفة الغارديان البريطانية قد وصفت ما حدث في مصر بأنه "انقلاب عسكري يعيد النظام القديم والمصريون سيندمون"، موضحةً أن الانقلاب على شرعية أول رئيس منتخب ديمقراطياً أدى إلى حرمان هؤلاء الذين شاركوا في الانتخابات الحرة سواء الرئاسية أو النيابية أو الاستفتاء على الدستور، من حقهم"، فيما وصفت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية التي وضعت على صدر صفحتها الأولى صورة كبيرة للسيسي مع عنوان يقول: "السيسي بطل استعاد مصر من قبضة الإسلاميين"،
وإذا كان الجنرال موشيه كبلينسكي، نائب رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي الأسبق، يقول: "إن الجيش المصري حليف مهم لإسرائيل"- وهو ما قاله السيسي نفسه للواشنطن بوست كما أسلفنا- "وأن المصلحة الاستراتييجية لإسرائيل تقتضي تعزيز قدرة الجيش المصري على استعادة الاستقرار والهدوء في مصر"، مضيفاً أن "الجيش المصري بصفته حليفاً لإسرائيل مهتم بعدم تحول سيناء إلى نقطة انطلاق لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل، فضلاً عن إدراك قيادة الجيش المصري (السيسي) لأهمية الحفاظ على اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل،
وإذا كان روبرت فيسك قد صدَّر مقالاً له في 4/7/2013 تحت عنوان: "متى يكون انقلاب عسكري ليس انقلاباً عسكرياً؟ بالقول: "على أولئك الزعماء الغربيين الذين لا يملون من إبلاغنا أن مصر ما تزال على الدرب نحو الديمقراطية أن يتذكروا أن مرسي كان حقاً قد تم اختياره رئيساً في انتخابات شهد لها الغرب"، مؤكداً أن هذه هي المرة الأولى في تاريخ الدنيا كلها يكون الانقلاب فيها ليس انقلاباً: الجيش يستولي على الحكم، يطيح بالرئيس المنتخب ديمقراطياً ويعتقله، يعطل الدستور، يلقي القبض على المشتبه بهم، يغلق محطات التلفزة والفضائيات المعارضة ويدفع بترسانة أسلحته ومدرعاته ودباباته إلى شوارع العاصمة. وعلى الرغم من ذلك، فإن كلمة "انقلاب" لا تستطيع أن تنطلق عبر شفتي الرئيس المبارك باراك أوباما، كما لا يستطيع الرئيس الأممي العاجز، بان كي مون، أن ينطق بمثل هذه الكلمة المسيئة"،
وإذا كان روبرت فيسك قد قال: "إن من حق إسرائيل أن تكون مبتهجة. إنها تعرف أن ما يحدث في مصر هو انقلاب، والآن يعود دورها المألوف من جديد بصفتها بلد الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، ووسط نوع من الجيران تعرفه جيداً: حكام عسكريون"،
وإذا كان روبرت فيسك، قد قال في مقال آخر بعنوان: "العنف المصري كان مذبحة، لا فترة انتقالية بعد الثورة"، "إن الفريق أول السيسي يدرك أن علاقات مصر مع إسرائيل أكثر أهمية بكثير كثير من أي انقلاب في القاهرة، وأن المحافظة على معاهدة السلام مع إسرائيل أكثر أهمية بكثير من أي مظهر ديمقراطي في القاهرة،
وإذا كانت التحركات الشعبية بين الأقلية العربية في الداخل الفلسطيني المحتل قد عبرت عن رفضها للانقلاب الدموي الذي قاده السيسي ضد الرئيس المنتخب، حاملين لافتات أمام السفارة المصرية تندد- حسب الموقع الإلكتروني لصحيفة يديعوت أحرنوت- بالانقلاب العسكري، ولافتات تطالب السيسي بالرحيل، ولافتات أخرى تحمل صوراً للرئيس المنتخب الذي تم الانقلاب عليه،
وإذا كان نعوم تشومسكي قد وصف ما جرى في مصر بأنه انقلاب عسكري، حين قال إن كل قيادات المجلس العسكري قد غرقوا في وحل الانقلاب وتلطخت أيديهم بدماء مدنيين عزل في أكثر من مجزرة، موجهاً في مقال له بعنوان "من يقف خلف ما جرى في مصر" سؤالين مهمين وصفهما بأنهما سؤالان مشروعان: الأول، من الذي دبر الانقلاب العسكري" ومن الذي أراد له أن يرتدي ثوب الثورة؟ والثاني من المستفيد الأكبر من الانقلاب العسكري؟!
وإذا كان رون بن يشاي، المعلق العسكري لموقع واي نت، يرى أنه يتوجب عمل المستحيل من أجل إنجاح انقلاب السيسي، داعياً الغرب إلى ضح المليارات من الدولارات لمنع حدوث انهيار اقتصادي يؤجج مشاعر المصريين فيدفع باتجاه ثورة ضد حكم العسكر، مشدداً على ضرورة تركيز الاستثمار في هذه المرحلة على دعم الجيش المصري والأجهزة الأمنية التي مهمتها قمع المتظاهرين، مضيفاً أن إسرائيل يتوجب عليها عدم الشعور بالخجل من القيام بدورها في دعم السيسي، مشيراً في ذلك إلى أن إسرائيل- وهي تفعل ذلك- إنما تقوم بالدور نفسه الذي تقوم به بعض الدول العربية مثل الأردن ودول خليجية،
وإذا...، وإذا...، وإذا...، والقائمة تطول،
فكيف- بعد كل ما سبق وهو قليل من كثير لدينا- بذلك الزميل العزيز، وهو المتخصص في العلوم السياسية، يخرج على أبجديات علم السياسة حين يصف- متطوعاً أو مضطراً- دور الجيش المصري في الثالث من يوليو 2013 بأنه "دستوري وديمقراطي"، وحين يصف ما حدث في مصر في ذلك اليوم بأنه ثورة وليس انقلاباً؟!
أما آخر الكلام، فإنني أتساءل عما إذا كان الأجدر بالزميل العزيز أن ينبري دفاعاً عن أهله في قطاع غزة المحاصر حتى الخناق من القريب ومن البعيد، ومن العدو ومن الحبيب؟! إنني أتساءل أيضاً عما إذا كان الزميل العزيز مضطراً- ربما لشيء ما- إلى مثل هذا التوصيف وهذه المدافعة عن "دستورية وديمقراطية" جيشٍ يراه هو- ونراه نحن- يقطع شريان الحياة الوحيد عن أهل غزة عبر هدمه للأنفاق والمنازل على الحدود المصرية الفلسطينية وعبر تفجيره لمضخات الوقود إلى غزة؟! أما كان من الأجدر، إذَنْ، بزميلي والأعدل له والأجدى لأهله، ولجامعات ومدارس ومستشفيات وبلديات وطنه أن يسخِّر ثقافته وعلمه وقلمه لوقف التحريض ومواجهة الافتراء ضد بلده؟! بل أما كان من الأحسن لزميلي الذي أحبّه وأحترمه لو كتب- مثالاً لا حصراً- عن رأيه في بلاغ وُجِّه إلى النائب العام في مصر ضد مطربين مصريين بسبب إساءتهم إلى إسرائيل؟!


بقلم: الدكتور/ أيوب عثمان
كاتب وأكاديمي فلسطيني
جامعة الأزهر بغزة

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت