لقاء الرئيسين أوباما وعباس خطوة أخرى في مسيرة التمرد أم جرعة أخرى من المسكّنات

بقلم: حسني المشهور


منذ انهيار الاتحاد السوفييتي وبداية تغول الأمريكان على القرار الدولي عموماً وبلطجتهم على ثروات وشعوب منطقتنا العربية خصوصاً صار من المتعارف عليه أن يقوم الأمريكان معززين بنصائح انكليزية على تقديم مسكنات محدودة [ بضبابية خلاّقة !!! ] تجاه القضية الفلسطينية قبل إقدامهم على بلطجة كبرى ، فقد عايشنا هذا في بلطجاتهم الأولى والثانية على العراق في مسكنات مدريد للأولى ؛ ثم تبني قيام دولة فلسطينية كمصلحة أمريكية عليا للثانية ، وعايشناها في انهماك بعضهم في الحريق العربي الذي اجتاح ليبيا ويتنقل في سوريا بانتظار اللحظات المواتية للقفز إلى مصر ولبنان والأردن وندعوا الله أن تزداد صلابة حائط الصد المصري حتى لا تأتي هذه اللحظات !!! .
وفي نفس الوقت وبعد الوصول إلى الذروة لكل من البلطجة الأمريكية والمقاومة الصلبة لها في العراق واضطرار الساسة الأمريكان وحلفائهم في الناتو تحت وطأة الخسائر إلى مراجعة سياساتهم وتغيير اتجاههم في تحديد المخاطر التي تتهدد حضارتهم المزعومة أصبح واضحاً أن العالم بدأ يرى قوى بازغة وتسير بخطى ثابتة نحو التمرد على ما سمي بالقرن الأمريكي [ مائة عام من الهيمنة على مصير الشعوب وقرارات دولها ] ... وكان الفلسطينييون أول من خطى بالخطوة الأولى في مسيرة هذا التمرد عندما تقدموا بطلبهم لمجلس الأمن للحصول على العضوية الكاملة لدولتهم في الأمم المتحدة ، مع كل ما يعنيه هذا الطلب كونه ينال من الهيبة والهيمنة الأمريكية من جهة ، وكونه البشارة لولادة عالم جديد متعدد القوى والأقطاب ... هذا التعدد الذي يتيح للفلسطينيين أن يحققوا الكثير مما عجزوا عن تحقيقه طوال أكثر من عقدين من الأحادية لقطب القوة . ثـم شاهدنا إعلانين متتاليين لهذه الولادة بفيتو مزدوج للروس والصينيين ويقول للأمريكيين : قـف ... لسـت وحـدك !!! .
وفي الشهور القليلة الماضية وعندما بدأت كفة الميزان للمتصارعين على القرار الأمريكي تميل نحو الراغبين في استكمال حربهم على البلاد العربية بضرب سوريا عايشنا تقديم جرعة جديدة من المسكنات للفلسطينيين كونهم الكاشف والفاضح لحقيقة كل تحرك للأمريكان والناتو في منطقتنا ورأينا ما يسمى بمبادرة السيد جـون كيري وملياراته الأربعة لتكون ستاراً لدعاة استكمال الحرب على بلداننا من الأمريكان خدمة لمصالحهم وأيديولوجيتهم وللكيان الصهيوني ... وسايرها الفلسطينييون على مضض بفعل دعمها الشديد من بعض الأطراف العربية المؤثرة ومن باب : لاحـق العيّـار لبـاب الـدار ، وكان أن تزامنت هذه المبادرة مع بدء الإعداد للذريعة التي يتسترون بها لضرب سوريا ... ذريعة الكيماوي السوري ...هذه الذريعة التي كشفت الأحداث أن الحديث الأمريكي بدأ حولها منذ اجتماع مجموعة العشرين في المكسيك قبل أكثر من عـام ؛ وأعيد الحديث حولها في اجتماع مجموعة الثمانية في إيرلندا ، أي قبل أشهر من إطلاق غـاز الغوطة ليكون الشرارة التي رفعها أوباما عند إعلانه الشهير بالنية لتوجيه ضربة عسكرية إلى سوريا ... وكان بعد هذا الإعـلان ما كان وما شاهدنا وسمعنا كيف انتهى على ما انتهى إليه !!!.
منذ أيام شاهدنا كيف تـم مبادلة هذه الضربة بإعلان الحكومة السورية من موسكو وبصياغة دقيقة موافقتها على وضع مخزونها الكيماوي تحت رقابة دولية وانضمامها إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة الكيماوية ... مبادلة فضحت الأمريكان عندما تبيّن أن ضربتهم لم تكن تضامناً مع أطفال سوريا الذين كاد أوباما أن يبكي على مأساتهم وهو يعلن عن نيته بضرب بلدهم من أجلهم ويكتشف هؤلاء الأطفال أن الضربة لم تكن من أجلهم وإنما لحماية أطفال المستوطنين الصهاينة ... كما أعادت إلى الأذهان قدرة التاجر الشامي على المساومة ، وأن هذا التاجر ما زال لديه الكثير ليساوم عليه في هذا الموضوع وكشف الرئيس السوري بعضاً منه عندما قال فليأخذه من يتحمل مخاطر حمله وكلفة تدميره ... مساومة تعرف أن الأمريكان اليوم ليسوا هم أمريكان التسعينات والعقد الأول من هذا القرن !!!.
واليوم يأتي لقـاء الرئيس الفلسطيني بالرئيس الأمريكي وقـد انتهى مفعول جرعة كيري المسكنة من جهة والإعلان رسمياً وعلى الأرض في شرق البحر الأبيض المتوسط للولادة الرسمية للعالم متعدد الأقطاب والقوى ... لقـاء يـُدرك توازناته الجديدة كلا الرئيسين فهل سيخرج بجرعة أخرى من المسكنات يقدمها أوبامـا للفلسطينيين [ وهي مكسب في كل الأحوال ] ، أم أن الرئيس الفلسطيني سيخرج من هذا اللقاء ليخطو خطـوة أخرى من مسيرة التمرد الفلسطيني على الهيمنة الأمريكية ؟؟؟ .
سـنعـرف ذلـك :
عندمـا نرى ما يحمل الرئيس الفلسطيني وهو يقف على منصة الأمم المتحدة في الأيام القليلة القادمة

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت