مجد الريماوي

بقلم: أسامه الفرا


التراجيديا اليوناينة هي الأقدم، وهي الأكثر حضوراً حتى يومنا هذا، رغم أن المساحة الأكبر فيها من الأساطير، والتراجيديا كما يصفها "أرسطو" هي قصة حياة إنسان عظيم يمر في ظروف مأساوية، قد ينتقل فيها البطل من الجانب السيئ إلى الأفضل ، إلا أنه يفضل الانتقال فيها من الأفضل إلى الأسوأ، كي يستحوذ البطل على عطف وشفقة المشاهد، لذلك يفضل "أرسطو" نهاية حزينة لها.

اليوم يمكن أن نقول بتجرد أن المأساة الفلسطينية هي الوريث الحصري للتراجيديا اليونانية، وإن كانت الواقعية عنواناً لها، فأينما تحل تجد نفسك أمام مأساة لمواطن فلسطيني، وتبقى قصة الأسير عبد الكريم الريماوي واحدة منها، والأسير الريماوي كان قد اعتقل من قبل قوات الاحتلال عام 2001، وسبق له أن أصيب في ساقه في الانتفاضة، وكما هي عادة إدارة سجون الاحتلال فقد الأسير الإحساس في ساقه من جراء الإهمال الطبي، مأساة الريماوي لم تتوقف عند ما أصاب ساقه، ولا في عدد سنوات الحكم الطويلة "25 عاماً"، بل في أسرته الصغيرة التي تركها خلفه، زوجة وبنت وحيدة "رند"، ورند كما هو حال كل أطفال العالم تحلم بأخ أو أخت تلهو وتلعب معه، وليس في حلمها هذا ما يهدد دولة الاحتلال.

حلم رند دفع أمها لتتجاوز كافة المحاذير والعوائق الإسرائيلية كما هو الحال مع بعض مفاهيم المجتمع المغلقة، حيث نجحت بعد محاولات عدة بتهريب حيوانات منوية لزوجها الأسير، نعم تهريب الحيوانات المنوية .. لأن حكومة الاحتلال تمنع ذلك، وعلى علمي أنه لا يوجد دولة في العالم وضعت الحيوانات المنوية ضمن قائمة ممنوعاتها، ولم يسجل التاريخ في قديمه وحديثه تهمة تهريب الحيوانات المنوية، على أي حال كان على أم رند أن تتخطى الحواجز الإسرائيلية من سجن نفحة وصولاً إلى مركز علاج العقم في نابلس دون تأخير، قبل أن تلفظ الحيوانات المنوية أنفاسها على حاجز للإحتلال، ونجحت أم رند في عملية التهريب كما نجحت عملية التلقيح الطبية، وباتت رند على موعد مع لقاء أخ أو أخت لها لطالما حلمت به.

مطلع الشهر الماضي تحول حلم رند لحقيقة، بات بمقدورها أن تداعب أخاً لها "مجد"، ومؤكد أن فرحة أم مجد لم تقل عن فرحة ابنتها بالمولود الجديد، بقي عليها أن ترى فرحة الأب الأسير بابنه الوليد، لم تستطع أم مجد أن تنتظر حتى يشتد عود مجد ليراه والده، قررت أن تصطحبه معها في زيارتها لزوجها في معتقل نفحة رغم أنه لم يكمل الشهرين بعد، لكن المفاجأة كانت في رفض إدارة سجن نفحة السماح للأسير برؤية ابنه، الحجة التي بررت بها إدارة السجن سلوكها، الذي يتنافى مع أبسط القيم الإنسانية، أنها لا تعترف بأبوة النطفة المهربة من السجون.

يا الله، هل خطر على بال كتبة الأساطير اليونانية هذا الفصل من التراجيديا الفلسطينية؟، التراجيديا لا تتوقف عند رؤية الأسير لابنه، بل كذلك فيما يترتب عليه أيضا من عدم اعتراف حكومة الاحتلال بأبوة النطفة المهربة، بمعنى أنه لا يمكن لمجد أن يغادر الوطن، فهل نحن أمام معاناة جديدة للأسرى تتعلق بأبنائهم من النطف المهربة، خاصة وأن العديد منهم نجح في ذلك بعد التجربة الأولى للأسير مهند الزبن؟، بقى أن نقول في هذا الفصل من التراجيديا الفلسطينية أن الدراما الفلسطينية الواقعية على غير ما ذهب إليه "أرسطو" مبنية على أمل بغد ننعم فيه بالحرية، وينعم فيه مجد بمداعبة والده بعيداً عن القضبان وأعين السجان.


جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت