إسرائيل ...عين على دمشق وأخرى على طهران
إسرائيل ترحب بأية اتفاقية تقضي بإخراج الأسلحة الكيماوية من سورية، وتشعرها بالارتياح لرفع تهديدات إستراتيجية من الدرجة الأولى عن كاهلها، مع أنها تشكك في نوايا "الأسد"، وتراقب الاختبار الحقيقي للاتفاقية التي تم التوصل إليها بين الولايات المتحدة وروسيا، ومدى تطبيقها، وتدمير أسلحة سورية الكيميائية، مع وجود مخاوف تساور المسؤولين الإسرائيليين من انتقال العدوى إليهم، والخوف أن يكون الدور عليهم، في أعقاب توقيع سورية على معاهدة الحد من امتلاك الأسلحة الكيميائية، التي تتيح للمراقبين الدوليين دخول المواقع وإجراء التفتيش على الكيماوي، بإرغام إسرائيل التوقيع على المعاهدة.
في أعقاب خطاب الرئيس "باراك أوباما"، وتراجعه عن توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري، يسود إحباط شديد القيادة السياسية الإسرائيلية بإعطائه الفرصة الكافية للعملية الدبلوماسية التي تقودها روسيا، في التعامل مع هذا الملف، فقد قابل الإسرائيليون الصفقة بين أميركا وروسيا بشكوك كبيرة، بإعطاء سورية وروسيا مزيداً من الوقت قبل تفكيك السلاح الكيماوي، فإسرائيل تكثف من حملاتها الإعلامية والدبلوماسية على الكيماوي السوري، غير أن أنظارها تتجه إلى الملف النووي الإيراني، فعين إسرائيلية على دمشق، والعين الثانية على طهران، ويلوح "نتنياهو" بخطوطه الحمراء، وخياراته ما زالت نحو توجيه ضربة لإيران، في ضوء التراجع الأميركي عن مهاجمة سورية، إلا أن التهديدات الإسرائيلية المعروفة لإيران قد تراجعت، وتخشى من معالجة النووي الإيراني، على غرار ما تم فيه معالجة الكيماوي السوري، وإطلاق الولايات المتحدة مبادرة شبيهة لحل النووي الإيراني، الأمر الذي تعتبره إسرائيل كسب المزيد من الوقت لإيران، وقلص فرص شن هجوم عسكري على المواقع النووية الإيرانية، وأن أكثر ما تخشاه إسرائيل أن يطرأ تحول في السياسة الأميركية تجاه إيران، إذ أن هناك تغيراً في اللهجة الأميركية ومغازلة وتبادل رسائل بين الرئيس الأميركي، والرئيس الإيراني.
لقد توصلت إسرائيل-بقيادتها السياسية والعسكرية- إلى استنتاج قاطع -في ظل العاصفة التي تضرب دول الشرق الأوسط، وعدم استقرار المنطقة- بأن عليها الاعتماد على نفسها وعلى قوتها، وعدم الاعتماد على أحد، بما في ذلك الولايات المتحدة، التي يربط بينهما ملف إستراتيجي، ويذكرها بالهجوم المصري الذي تعرضت له في حرب عام 1973، ويقول "نتنياهو" أنه "لا يحك ظفرك إلا جسمك"، وأن إسرائيل ستتمكن من الدفاع عن نفسها بقوتها الذاتية.
لقد أفادت المصادر الإسرائيلية أن اتفاقاً سرياً جرى التوصل إليه في شهر آب الماضي، بين كل من الرئيس الأميركي "أوباما"، والرئيس الروسي "بوتين"، والرئيس الإيراني "حسن روحاني"، وضعوا فيه مجموعة من التفاهمات، شمل الأسلحة الكيميائية السورية، والملف الإيراني، وبعد إتمام وإنجاز الاتفاق مع سورية، فإن الهدف المقبل سيكون إيران، للتوصل إلى اتفاق حول ملفها النووي، وإن ما تخشاه إسرائيل هو تخلي الولايات المتحدة عن توجيه ضربة لإيران، كما سبق أن وعدت بأن جميع الخيارات مفتوحة، بما في ذلك الحل العسكري، وتأخذ من تخليها عن توجيه ضربة عسكرية لسورية، سابقة خطيرة بالنسبة لها، وأن الاتصالات وتبادل الرسائل بين الرئيس الأميركي "أوباما"، وبين الرئيس الإيراني "حسن روحاني"، أزعج وأقلق إسرائيل خاصة ما تسرب بأن الولايات المتحدة ستقلص العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، إذا حصل تقدم بين الجانبين على الصعيد الدبلوماسي، وقد أقر "أوباما" بأن رسائل دافئة ومتبادلة جرت بينه وبين الرئيس الإيراني.
على صعيد آخر، فقد أفادت المعلومات المكثفة بالشأن الإيراني أن الرئيس الأميركي دعا إيران لتسوية على غرار التسوية التي جرت مع سوريا، محذراً بأن لا يُفهم من الامتناع عن مهاجمة سوريا، بأن أميركا لن تهاجم إيران في المستقبل في حال اتضح أن تصريحات روحاني أقوال وليست أفعال، موضحة بأن سياق التسلح النووي الإيراني أكثر أهمية من الأسلحة الكيماوية السورية، وقالت جريدة "معاريف 18-9-2013"، بأن المسؤولين الإسرائيليين يرون بتصريحات "روحاني" المعتدلة، خطوة تكتيكية تهدف إلى تخدير الغرب، في حين تواصل إيران -حسب الجريدة- العمل للحصول على القنبلة النووية، في الوقت الذي أكد فيه المرشد الإيراني الأعلى "علي خامنئي"-في رسالته إلى الرئيس الأميركي- أنه يعارض السلاح النووي، ويؤيد الدبلوماسية، أما إسرائيل فهي تصف تليين المواقف الإيرانية بالمناورة، وتطالب العالم بعدم تخفيف العقوبات عن إيران، وتضيف المعلومات الإسرائيلية، بأن الأوضاع الاقتصادية والحياتية والداخلية الإيرانية، وعزلتها الدولية، إضافة إلى الأجواء السياسية العامة، من أسباب التحول الإيراني، وتتهم إسرائيل طهران بالخداع، لكسب الوقت، مع استمرار برنامجها النووي.
الرئيس الأميركي "أوباما" وفقاً للإذاعة العبرية 19-9-2013، أعلن عن استعداده للاجتماع مع الرئيس "روحاني" على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك في نهاية الشهر الحالي، وقال أن الإدارة الأميركية على استعداد للتحاور مع حكومة "روحاني" للتوصل إلى حل سياسي لقضية البرنامج النووي الإيراني، فالتناغم بين الجانبين يسير بخط مستقيم، خاصة أن الزعيم الروحي "خامنئي" خول الرئيس "روحاني"، بالتوصل إلى حل في قضية النووي، وتأكيده بأن إيران لن تطور أسلحة نووية أبداً، ويقول "روحاني" بأن الرسالة التي تلقاها من "أوباما" كانت إيجابية وبناءة، ويعلن: "لن نسعى لتطوير أسلحة نووية" في المقابلة التي أجرتها معه شبكة "أن بي سي" الأميركية، مؤكداً أنه يسعى إلى حل سريع لهذا الملف.
إسرائيل التي ترفض التوقيع على معاهدة منع انتشار الأسلحة الكيمائية، كما ترفض التوقيع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وفتح مفاعلاتها النووية ووضعها تحت الرقابة، فهي آخر من يحق له التخلص من الكيماوي السوري، ومن مشروع النووي الإيراني، ومن الملفت للنظر أن السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة "مايكل اورين"، في مقابلة مع جريدة الـ "جروساليم بوست الإسرائيلي 17-9-2013" قال لأول مرة بأن إسرائيل معنية بسقوط الرئيس السوري "بشار الأسد" بينما جاء في بيان مناقض صادر عن ديوان "نتنياهو"، بأن أقوال السفير لا تعبر عن مواقف الحكومة الإسرائيلية، وأن سياسة الحكومة الإسرائيلية عدم التدخل في الشؤون السورية الداخلية، فإن الموقف الإسرائيلي من سورية ما زال ضبابياً، في حين أن الموقف الإسرائيلي من الكيماوي السوري مرحباً به، لأنه يزيل الذعر والاستغناء عن الكمامات الواقية من الكيماوي التي يجري توزيعها على الإسرائيليين، أما موقفها من إيران فإنه صريحاً وواضحاً ويسودها الإحباط للتراجع في الموقف الأميركي، وعلى كل الأحوال، فإن الأوضاع بعيدة عن الاستقرار، وجميع الخيارات تبقى مفتوحة على مصراعيها.
إن تفكيك الكيماوي السوري، وتراجع إيران عن مشروعها النووي-إذ صحت أقوال "روحاني"- وفشل المجتمع الدولي في انضمام إسرائيل لمعاهدة مراقبة الأسلحة الكيماوية والنووية، تكون إسرائيل قد حققت مبتغاها دون دفع أي ثمن، لا عسكري، ولا سياسي.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت