عشرون عاما ولازلنا في حالة نقاش إتفاق أوسلو

بقلم: عماد عبد الحميد الفالوجي


شارك العديد من المفكرين وقادة الرأي في المجتمع الفلسطيني في المؤتمر الذي عقدته جامعة بيرزيت ومؤسسة الدراسات الفلسطينية بعنوان " عشرون عاما على اتفاق أوسلو " ولاشك أن أهمية المؤتمر كانت من أهمية المشاركين وجميعهم لعب دورا مميزا وهاما في المسار الفلسطيني السياسي خلال العقدين الماضيين ولهم رأي وموقف مهم وأغلبهم شهود على تلك المرحلة ، ولذلك كان المؤتمر غنيا بمعلوماته ومداخلاته وكانت فرصة للاستماع والمناقشة وإبداء الرأي .
وتمحورت غالبية الكلمات والمداخلات في الحكم على اتفاق أوسلو وهل كان ممرا إجباريا أم كان يمكن تجاوزه ؟ وأجمع المتحدثون على الفشل الكبير لاتفاقيات أوسلو في تحقيق الحلم الفلسطيني في إقامة الدولة الفلسطينية وكذلك الفشل في لجم التمدد ونهب الأرض الفلسطينية من خلال تعاظم بناء المستوطنات .
والغريب أن غالبية المتحدثين وجزء كبير منهم لعب دورا في محطات إنجاز اتفاق أوسلو وكانوا مشاركين حينها في المفاوضات بشكل من الاشكال إلا أنهم أكدوا علمهم المسبق وتوقعاتهم منذ البدايات بأن هذا الاتفاق لن ينجح في تحقيق السلام  وأن المجتمع الإسرائيلي غير جاهز وليس لديه أرضية لتقبل حل الصراع على أساس دولتين أو الالتزام بقرارات الشرعية الدولية وحدود الرابع من حزيران 1967 بسبب اختلال مزازين القوى الدولية ، وتبارى البعض في الدفاع عن نفسه وإلقاء سبب الفشل على آخرين ، وهل كان الفشل من ذات الاتفاق أم في عملية التنفيذ .
الحصيلة التي خرجت فيها من المؤتمر تتمحور في نقطتين ، الأولى هو حجم المعلومات والأفكار التي تم تداولها وهي غنية وتستحق البحث والإسهاب فيها وهي أفكار قوية يمكن البناء عليها إذا وجدت المؤسسة القادرة على المتابعة الجدية .
والنقطة الثانية أن هناك من لا يزال يعيش في الماضي ويصر على الاستمرار في نقاش اتفاق مر عليه عشرين عاما ويتجاهل كل المتغيرات الكبيرة التي وقعت خلال كل تلك المرحلة ، وأن الشعب الفلسطيني اليوم ليس هو تماما الذي كان قبل عشرين عاما هناك جيل فلسطيني نشأ وترعرع وتعلم وكبر خلال هذه المرحلة وهناك واقع فلسطيني جديد ليس له علاقة بذات الواقع القديم وهناك قرارات دولية صدرت ومتغيرات إقليمية يجب مناقشتها وربطها بأحداث اليوم قبل الحكم على الواقع المعاش ، وهناك مجتمع إسرائيلي كذلك يتغير سواء كان سلبا أو إيجابا تجاه عملية السلام برمتها وليس حول اتفاق أوسلو فحسب .
لم يعد مناسبا أن يتجمد البعض حول الموقف من اتفاقيات أوسلو بعد أن غاص فيها الجميع وأصبحت ماضي بعيد ولكنه خرج من كونه مجرد اتفاق وأصبح حياة معاشة وواقع من الصعب تجاوزه أو الحكم عليه بشكل سطحي ، ليكون السؤال الأهم الذي طرحه رئيس جامعة بيرزيت في افتتاح المؤتمر وليتهم جميعا انتبهوا لنصيحته حين قال " ركزوا فيما يجب فعله وماذا نحن فاعلون ؟ وكررها مرارا " .
هذا المؤتمر كان ممكن أن يكون فرصة مناسبة لطرح الواقع الفلسطيني بكل أبعاده ووضع المخارج والحلول الإبداعية للخروج من واقعه المؤلم سواؤ ما يتعلق بالانقسام أو المفاوضات أو واقع منظمة التحرير أو التعاطي العملي مع قرار الامم المتحدة الخاص بدولة فلسطين ، وكيف يمكن معالجة الوضع الاقتصادي ؟ وغيرها من المعضلات التي تستحق العمل عليها ، ومن خلال هؤلاء النخبة التي استمعت إليهم جميعا فهم قادرون على تقديم رؤى إبداعية وطرحها أمام القيادة الفلسطينية للاستئناس بها أو تبنيها والنضال من أجل تحقيقها .
عشرون عاما من النقاشات حول أوسلو كافية وعلينا تجاوز مربع الاتهامات ومن كان على حق أو عل باطل واستحداث التبريرات للفشل وعدم الدفاع عنه ولكن يجب أن تكون كل نظراتنا وتفكيرنا كيف نغير ونطور واقعنا نحو الأفضل ؟ هذا دور المفكرين وأصحاب الرأي الذين استمعت إليهم على مدار يومين شاقين .
 

م. عماد عبد الحميد الفالوجي
رئيس مركز آدم لحوار الحضارات
WWW.IMADFALOUJI.PS