استعاد الكاتب المقدسي عاصم الخالدي في كتابه ذكريات من باب السلسلة في صالون ومقهى الكتاب الثقافي- المكتبة العلمية، شيئا من اعوام الحزن والاسى على الوطن الذبيح المستباح الذي ما زال جسمه عرضة للنهش والقضم الاستيطاني الاحلالي وخاصة في القدس عروس المدائن .
وقال بصوت متهدج مليء برنة الحزن والاسى امام جمهرة مقدسية اكتظت بها باحة الصالون .. لقد عايشت عائلة الخالدي جزء من مسلسل تدمير هذا الشعب وهذا الوطن .. ونلنا نصيبا منه .. وستبقى القدس وحاراتها وازقتها القديمة في عروقنا وبين ضلوعنا وحنايانا الى الممات ..!
وقدم د. سليم تماري مدير مؤسسة الدراسات الفلسطينية الكتاب التوثيقي الذي يعج بالاوراق العائلية من مراسلات وحجج وصكوك واحيانا ذكريات تصور حقبة من التاريخ الاجتماعي بما تشتمله من يوميات ذات شهادة حية على تلك اللحظات الطافحة بالصدق..
ونوه الى ان معظم الذين كتبوا ودوّنوا هم من النخبة في القدس او فلسطين .. الا ان هناك بعض الكتابات التوثيقية الاخرى لاشخاص عاديون.. واشاد بالكتاب من حيث استخدام الاوراق العائلية وتوظيفها بشكل لافت في خدمة السياق العام ..
الخالدي.. وشيء من الفكر ..!
ونوه تماري الى الدور الثقافي والفكري لعائلة الخالدي التي ارتكزت على اسس قضائية وقانونية من خلال اشتغال بعض افرادها في هذين المجالين واهتمت بالثقافة والتاريخ وتعلم ابناؤها في المدارس السلطانية العثمانية في تلك المرحلة العصيبة الى جانب اهتمامها ولو في وقت متأخر بالاستثمار في المجال السياحي وخصوصا السياح الروس على سبيل المثال والطريق السياحي المتبادل بين يافا والقدس .
ورأى عاصم الخالدي وهو يسرد تاريخ المكان في باب السلسلة التي كانت الطريق الحيوية والاكثر سلوكا قبل عام 1948 بل .. منذ القرون الوسطى على رأي المؤرخ مجير الدين الحنبلي.. ان الالم يعتصر قلب الانسان وهو يشاهد تاريخه كيف يمحى امام ناظريه .
وسرد بعض ابرز الاحداث التي عايشها شخصيا وهو بالكاد يحبس دموعه .. مثل احياء مواسم النبي موسى .. عندما تتجمع الحشود في بركة السلطان اسفل باب الخليل على طريق البقعة القطمون الثوري جبل المكبر انتهاء ببيت لحم والخليل وتتعالى البيارق في سماء القدس وتعقد حلقات الدبكة وتصدح انغام الشبابة .. وما زالت القلنسوة المطهمة والموشاة باللون الاخضر التي يرتديها خطيب الجمعة في الحرم االشريف امام مخيلته وكذلك الهندام الراقي لرجال الدين والائمة المسلمين في الحرم .. وكيف كان الخطيب يختم خطبة الجمعة .. اعوام ما قبل النكبة من القرن الماضي .. بالصلاه على الرسول الكريم والخلفاء الراشدين الاربعة ثم الحسن والحسين وال البيت اجمعين .
ايام العنف والكراهية ..!
واستذكر بعض حكايات والده ومشاركته في تظاهرات وقعت في باب الخليل ردا على تجمعات لليهود في العام 1920 في اجواء رفض وعد بلفور المشؤوم الذي كان صدر قبلها بثلاث سنوات نقريبا وكذلك تظاهرات في يافا عام 1933 والتي اسفرت عن مصرع احد رفاق والده..! والانفجارات الارهابية التي كانت تقف وراءها العصابات الصهيونية في باب العامود وباب الخليل وفي فندق سميراميس في القطمون حيث كان شاهدا حيا عليها ..
وما زال الخالدي يذكر ايام الضيق والحصار على القدس وغيرها عندما كان في الرابعة من عمره .. وهم لا يجدون الا الرز المفلفل لتناوله طعاما لهم في ظل غياب الخضار واللحوم نتيجة لظروف الحصار الخانق وتقسيم القدس الى كانتونات لا يسمح بالمرور فيها الا حسب الهوية .. وما زال مشهد مصرع شخص على احدى بوايات الحرم ماثلا امام ناظريه وهو ابن الرابعة يجلس على شرفة بيتهم في حارة باب السلسلة .. قريبا من حارة باب المغاربة التي يعرف زقاقها وبيوتها واحدا واحدا.
فكرة توثيقية لامعة..
وفي نهاية اللقاء وبعد سماع عدد من المشاركين والذين اشادوا بفكرة الكتاب التوثيقية اللامعة .. وطالبوا ان تحذو كل عائلة وكل فرد فلسطيني.. لرواية ما لديه من حكايات في مسلسل تشريد وتهجير الشعب الفلسطيني الذي ما زال على حاله وان باساليب وطرق مختلفة، قام الكاتب عاصم الخالدي بتوفيع نسخ من الكتاب والتي تتوفر في القدس من خلال المكتبة العلمية ..!
ومن بين الحضور اللافتين برز المفكر الفلسطيني رشيد الخالدي الذي نظمت له ندوة فكرية اخرى بالتعاون مع مقهى الكتاب الثقافي- المكتبة العلمية في المركز الثقافي الفرنسي المجاور في شارع صلاح الدين يوم الاحد .
وكان محمود منى منسق النشاطات الثقافية في المكتبة العلمية والصالون الثقافي قد رحب بالضيوف وشكر الحاضرين على تلبيتهم للدعوة والمشاركة في هذه الامسية المقدسية الثقافية بامتياز .