أزمة شرف

ضحايا لهم عنوان واحد. نساء استطعن أن يسجلن أرقاماً جديدة، و "حضوراً لافتاً" في عدد اللاتي قتلن على خلفية ما يسمى "شرف العائلة"، من دون أن يكون للشرف أي علاقة بتلك الجريمة التي تدنس كل معاني الشرف. فعادة معظم دوافع ارتكاب جريمة القتل غير حقيقية، وليس لها علاقة بالشرف، وقد تكون لها دوافع أخرى عند الجاني إما ليخفي جريمة ارتكبها أو ليطبق عادات وتقاليد تثبت رجولته.

سمعنا كثيرا عن جرائم قتل ومرتكبيها، وأساليبها وأدواتها، وعن ضحايا مجني عليهم، وفي حال كانت الضحية امرأة، فان التفكير يذهب سريعاً نحو أسباب قتلها، وأنها قتلت على خلفية "الشرف"، وأن هذه المرأة عار على عائلتها والمجتمع، والعالم تخلص منه، وأن الجاني بطل من أبطال الأساطير والروايات القديمة وكأنه أرجع الحقوق المسلوبة، من دون أن نفكر في الأسباب الحقيقية الكامنة وراء فعلته المشينة التي أزهق بها روح إنسان أكدت كل الأديان السماوية والشرائع والمواثيق الدولية حقه في الحياة، مهما كان جنسه أو دينه أو لون بشرته.

غسل العار وحفظ الشرف كلمات ليس لها أصل سوى تلك العادات والتقاليد التي توارثت من جيل إلى جيل من دون أن تعطي أدنى حق لذلك الإنسان في الحياة، أو يعطوها صفة الإنسان أصلا. الجناة ضحايا لتلك العادات والتقاليد السلبية التي بُنيت على باطل. فالإسلام أتى ليكرم المرأة ويرفع من شانها ويحرّم وأدها حتى في أكبر الجرائم "الزنا" التي اشترط الإسلام لإثباتها وجود أربعة شهود عدول، وفي حال تلبس كاملة كي يقع العقاب على المرأة والرجل.

أما العادات والتقاليد السلبية التي توارثتها الأجيال لم تجعل مكاناً حتى لتعاليم الإسلام، فمجرد شك أو شائعة تبدأ بالتدحرج وتكبر مثل كرة الثلج، محملة بأخبار صادقة وكاذبة، تكبر من دون أي وازع، وتمس نساء قتلن ظلماً وعدواناً لمجرد أنهن نساء، مثل عيدان الكبريت إذا اشتعل لا يرجع ثانية كما كان.

إذن، لنقف مع أنفسنا ونتبصر جيداً، فكل أشكال القتل والقمع ضد النساء، التي نراها كل يوم تذبل أو تحترق أو تتراجع بسبب كل ما هو ضدها في مجتمع وأُناس لا ينظرون حتى إلى محاضر التحقيق في الشرطة، ونصبوا أنفسهم قضاة وجلادين في الوقت ذاته.

إن القتل على خلفية ما يسمى "شرف العائلة" تنتهي تحقيقاته غالباً بنتيجة مفادها أن الفتاة أو المرأة بريئة وأنها قتلت ظلماً وعدواناً.

قضايا القتل هذه لا تتعلق فقط بالعادات والتقاليد، فمنها تكون دوافعه اقتصادية بسبب الفقر، والبطالة وغيرها من أوضاع مزرية. ويجب أن لا نجعل هذه الأسباب شماعة نعلق عليها جرائم القتل.

إن وقوف أي فتاة مع أي شخص لا يعني أنها انتهكت شرف العائلة وأنها أساءت الثقة التي منحتها لها، إن منُحت تلك الثقة أصلاً، وهذا يحتاج صرخة في وجه كل من عندهم ذلك الاعتقاد أنهم غسلوا عارهم بأيديهم أن يتريثوا ويصبروا ويتأكدوا.

 

بقلم:حسان أبو صفر