لم تتخيل المهندسة الزراعية سوزان يعقوب من مدينة طولكرم, أن مثابرتها وإصرارها على البقاء والتحدي في قلب مجتمع تحكمه العقلية الذكورية، ستقودها حتما إلى تحقيق طموحها وإثبات ذاتها خاصة في ظل محاولات تهميشها ونظيراتها، لتثبت بإرادتها التي تأبى الفشل، قدرتها على شق أولى خطوات نجاحها بإمتلاك وإدارة مزرعة نموذجية شعارها " كل شيء بالأمل إلا الزراعة بالعمل".
ورغم حالات الإحباط واليأس التي سيطرت على المهندسة سوزان منذ تخرجها من الجامعة، جراء عدم تقبل المجتمع لتخصصها، وطبيعة عملها كإمرأة في المزارع والمشاتل الزراعية، واضطرارها لمواجهة كافة التحديات في سوق العمل والتي جعلتها في عداد العاطلين عن العمل، إلا أنها استطاعت الوقوف في وجه كافة الأعراف والتقاليد البالية وتحقيق جزء من أحلامها المستقبلية ببناء "المزرعة السعيدة" كما أطلقت عليها بعد أن كانت حلما عبر شبكتها الإلكترونية .
وعن رفضها وقبولها كإمرأة منتجة بالمجتمع تقوم بمسؤولياتها ومهام عملها في أحد المشاتل بطولكرم منذ بدء تخرجها ، تقول" فئة المتعلمين الأكثر رفضا لعملي الميداني وتحديدا في المشاتل والمزارع وأكثر العبارات التي كانت تعترضني دائما أثناء عملي...ـ ليش انتي هون ـ الأمر الذي اضطرني لترك العمل" . "تعلمت الكثير من عمل المشتل وزادت ثقتي بقدراتي نتيجة دعم والدي لي حيث اكتسبت الخبرة وكانت بداية طريقي للمواجهة لتحقيق حلمي ". قالت سوزان.
سوزان التي حققت رغبة والدها بدراسة تخصص الهندسة الزراعية إنتاج نباتي، بذلت كل جهد ممكن لاجتياز العديد من الدورات وورش العمل التي صقلت شخصيتها وأدائها حيث تنقلت بين مختلف المدن الفلسطينية وحصلت على العديد من الشهادات التي زادت من رغبتها ودافعيتها للتعلم وإكتساب الثقافة والمعرفة حتى توجهت مؤخرا إلى الغرفة التجارية التي قامت بدورها بتشبيكها مع المؤسسات الداعمة لتحفيزها على العمل والانتاج وتشجعيها على البدء بالتخطيط لمشروع "المزرعة السعيدة"..
وانطلاقا من ايمانها بقدرة المرأة على العطاء والعمل في المجالات كافة, التحقت سوزان بورشة عمل نفذها مركز المؤسسات الصغيرة SEC) ) ضمن برنامج القرض الإجتماعي لتمويل المشاريع الصغيرة. "شكلت ورشة العمل نقطة الإنطلاق الأولى و بداية التغيير في حياتي خاصة بعد الإقتناع بالمشروع من قبل الممولين وقيامهم بتجهيز الأرض التي تقدر مساحتها بدونم والواقعة شمال طولكرم ببيت بلاستيكي وشبكة الري وأداة التسميد في الأول من يناير بداية العام الحالي " قالت سوزان. وأردفت مسترسلة "تحقيق الهدف أصبح في قلب المرمى .. لكن خطواتي بدت مثقلة بالخوف من المجهول والقادم من الأيام .. فنظرة الناس لا ترحم".
ولم تستسلم سوزان لهواجسها بل قامت في الخامس عشر من شهر شباط من العام الحالي بزراعة شتل الخيار والمباشرة بعمليات خدمته من زراعة وتعشيب وجني للمحصول ونقله مع مراعاتها للزراعة وفق معايير صحية وبيئية" ، قائلة: " شعرت بسعادة لا توصف مع اكتمال تجهيز المزرعة، حيث أنتجت من الزرعة الأولى حوالي 15 طن خيار وحاليا أقوم بالتجهيز للموسم الشتوي".
ولم تخجل المهندسة سوزان والتي تشرف على أربعة عمال، من طبيعة الملابس التي ترتديها والخاصة بعملها الزراعي، وحول ذلك تقول" لم تخجلني أبدا ملابس العمل بل زادتني شرفا بانتمائي لأرضي، وسأواصل عملي في مجال تخصصي الزراعي وسأثبت للجميع نجاحاتي وقدرتي كمهندسة على العمل".
وأضافت " لم تصل سوزان لأحلامها كاملة فالمشوار طويل .. طموحي القادم افتتاح مشتل زراعي حيث جعلني مشروع المزرعة السعيدة أكثر قدرة على الإيمان برسالتي وقدراتي وتحمل المسؤولية وتنظيم الوقت والإصرار على البقاء".
وحول طموحاتها المستقبلية تقول" لدي رغبة جامحة في الحصول على حقيبة وزارة الزراعة لأقوم بتحسين وتغيير النظرة السلبية السائدة عن المهندسة الزراعية والحفاظ على الطابع الزراعي لفلسطين والسعي لتخضيرها بالإضافة إلى دعم ومساندة المزارعين ووضع وبلورة خطط عملية حول الإرشاد الزراعي".
وتستشهد المهندسة سوزان بمقولة الشاعر الفلسطيني محمود درويش"الثورة ليست فقط بندقية، الثورة ريشة فنان، ومبضع جراح، وفأس فلاح" في إشارة منها إلى أن فلاحة الأرض والإهتمام بها والمحافظة عليها يعتبر شكلا من أشكال النضال مؤكدة أنها ستثبت عبر مسيرة عملها وعطائها لأرضها أنها نموذجا للفتاة الصلبة التي سيفتخر بها .
تقرير: همسه التايه