عبد العزيز.. اول كفيف في غزة يلتحق بقسم الصحافة ويعمل بها

لم يكن الشاب الفلسطيني عبد العزيز كريم ابن الـ(23) ربيعا يتوقع ان يفقد بصره بعد أن طمأنه اطباء العيون بان ضعف البصر الذي يعانى منه بالإمكان علاجه بإجراء عمليات له في مصر واسرائيل ،وأن نجاح هذه العمليات قد يصل حتى 90 بالمائة ،الامر الذي عجل له بعدة عمليات برفقة والده الذي حرص على علاجه.

واجرى عبد العزيز عدة عمليات في عينه في اسرائيل ومصر والاردن وفلسطين ، ولكنه لم يدرى بان كل عملية يجريها كانت تخفض مستوى النظر لديه وانها تزيده سوءا ،وانه سيفقد بصره وسيغير مجرى حياته وطموحه وأحلامه المستقبلية التعليمية منها والاجتماعية والعيش كأي مواطن يبني أسرته، ويساعد والده كونه البكر .

قصة الكفيف عبد العزيز وتعرضه لأخطاء طبية كثيرة اثناء اجراء عدة عمليات في عينيه قد تكون عادية للكثيرين ولكنها تجربة كبيرة لأنه تحدى الاعاقة وشاركت اربع دول في فقدانه لبصره ،واستكمل دراسته وتحمل التحول في حياته وهو في سن الثامنة من عمره ، جراء حرمانه للبصر ليتابع تحصيله العلمي  بمساعدة أسرته ورفاقه المكفوفين وحصل على الشهادة الإعدادية والثانوية بتفوق ، وسجل في كلية الاعلام في الجامعة الاسلامية بغزة وهو الآن يتابع  عمله في هذا المجال في العمل الإذاعي كمحرر ومعد برامج.

ويتابع عبد العزيز " التحقت في مجال الصحافة لحبي بهذا التخصص من الصغر نظرا للدور الكبير الذي تلعبه وسائل الاعلام في نشر ظلم الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني  ، وما خلفه من شهداء وجرحى طوال السنوات الماضية ، ورغبتي في النهوض بالأشخاص ذوى الاعاقة في قطاع غزة ونشر هذه الابداعات على الساحة الفلسطينية ، وايصال رسالة الاشخاص ذوى الاعاقة على الساحة الفلسطينية الذين اصبحوا مغيبين عنها "

مشاكل جامعية..

وتعرض عبد العزيز لعدة صعوبات واجهته حين التحق بتخصص الصحافة في الجامعة الاسلامية ، والتي كان ابرزها رفض الجامعة لالتحاقه بهذا التخصص نظرا لأنه الاول والوحيد الكفيف الذي يلتحق بقسم الصحافة  واول تجربة لهم لطالب كفيف في هذا القسم وعدم توفر الكتب بطريقة "برايل" الخاصة بالمكفوفين  .

 ورغم رفض العديد من الاساتذة والدكاترة في الجامعة ، وبعد اجتماع طويل بينه وبين ادارة الجامعة وافقت الجامعة على  التحاقه في التخصص لمدة شهر ليثبت جدارته ، وفى حال فشله ستجبره الجامعة على تحويل تخصصه لتخصص اخر متاح للمكفوفين ، وقد اثبت جدارته خلال الاربع سنوات .

 ومن ابرز المشاكل والعقوبات التي واجهته في الجامعة عندما وصل للمستوى الثالث طلب منه دكتور جامعي ان يحول تخصصه في القسم لتخصص اخر معللا حديثه بان الصحافة مهنة صعبة ولم يتخيل وقتها نفسه بعدما وصل لبر الامان ان يعود للصفر في تخصص جديد ، فرفض عبد العزيز واستمر في تخصصه بعدما ابلغ الاستاذ بان هذه رغبته وسيكمل طريقه.

لم يرق حديث عبد العزيز للدكتور مما جعله امام مهمة اصعب في امتحان مادة هذا الدكتور ، ففي الامتحان النهائي لهذا الدكتور في مادة التحرير الصحفي  كان من ضمن الاسئلة سؤالا اجابته تمثل ربع علامة الامتحان طالبا منه تحرير خبر صحفي ورسمه على القوالب الفنية ، مما وضع عبد العزيز في موقف محرج لعدم قدرته على رسم الهرم في الامتحان وطلب من الدكتور مساعدته او مساعدة مركز "مساعدة" المكفوفين في الجامعة لكن اصر على رفضه وابلغه بانه ليس لديه تفاهم في هذا الموضوع.

واضاف عبد العزيز " أي طالب ولو كفيف بيدرس مع الطلاب بيكون وضعه عادى جدا ، ولكن وضعي كان مختلف جدا لأنى اول طالب يدخل قسم الصحافة ، وكنت بعض الاوقات انتظر طباعة الكتب على ملف وورد ومن ثم  طباعته على طريقة "برايل" في الجامعة الاسلامية ، وكان يأخذ منى وقت طويل ويؤثر على دراستي ، وفى بعض الاوقات كنت استلم كتبي  قبل موعد الامتحان النهائي بأسبوع ، مما يسبب لي ضغط في تراكم المواد ودراستها ، واضطررت في بعض الاوقات لطباعتها على حسابي الشخصي "

ويختلف باقي الطلبة المكفوفين في الجامعة الاسلامية عن عبد العزيز نظرا لالتحاق عدة طلاب في تخصصات مختلفة مثل الشريعة واللغة الانجليزية على مدار السنوات الماضية في الجامعة ، وتتوفر الكتب منذ عدة سنوات بطريقة "برايل" التي تناسب المكفوفين في القراءة ، لكن عبد العزيز هو الاول في هذه التخصص  ولم تتوفر كتت جاهزة له حيث لم يلتحق قبله طلبه مكفوفين في تخصص الصحافة.

وبعد انتهاء عبد العزيز من دراسة تخصص الصحافة في الجامعة الاسلامية ، التحقت منذ فترة قليلة فتاة في هذا التخصص في نفس  الجامعة.

موقف محرج..

 ومما   احرج  وصدم عبد العزيز بشكل اكبر  حين شاهد درجته في هذه المادة وهى صفر جامعي ، وحين راجع الدكتور لمراجعة ورقة الامتحان لأنه توقع نجاحه رغم عدم اجابته على السؤال الذي يتطلب رسم الهرم ، رفض الدكتور معللا انه لا يراجع لاحد في مادته ، فابلغه عبد العزيز انه لا يريد مراجعة الورقة ولكن يريد ان يعرف اين اخطأ حتى يصحح خطأه في المرات المقبلة.

ودون ادنى احساس بالإنسانية والمسؤولية حين طلب عبد العزيز من الدكتور ان يذهب ليحضر ورقة الامتحان ، اجاب الدكتور بشكل ساخر جدا عليه قائلا " بدك انا اقوم اشوف لك ورقتك "  فهنا انهزت مشاعر عبد العزيز لأنه بقدر ما تشعر ان هذا الكلام  عادى ، لكنه بحقيقة الامر يمثل انتقاصا  من شخصية ومقام  وقيمة عبد العزيز  ".

وعندما اهتزت مشاعر عبد العزيز قال له انت دكتور جامعي فهل هذه طريفة تخاطب فيها طالب كفيف ، ورد عليه عبد العزيز بجملة ابلغ من الكلمات قائلا  للدكتور  " ان شاء الله ربنا يبليك بشيء  وتقدر وقتها كيف ترد على الناس "

 وأكد عبد العزيز ان عزيمته واصراره وأعاقته كانا خلف نجاحه ومثابرته  وتحديه على المواصلة في هذا الطريق ، موضحا ان اعاقة الشخص منذ الصغر قد تكون اهون من الاعاقة في الكبر ، لان الانسان يتأقلم من الصغر على وضعه واعاقته بمساعدة اهله.

ويعيش عبد العزيز بين اسرته سعيدا برفقة اهله الذين يعاملونه كما هو البكر في بيته له كلمته وله رأيه كأي شخص عادى في البيت وليس من باب الشفقة ، ويقوم بتلبية احتياجاته بنفسه  وصولا ايضا لمحيط منزله .

وعمل عبد العزيز محرر ومعد برامج اذاعية في اذاعة القدس التعليمية واذاعة فرسان الارادة  وصوت الوطن وصوت البراق  واذاعة الايمان.

ويتمنى عبد العزيز ان يكمل دراسته العليا ويلتحق بالماجستير في هذا التخصص  ، وان يحصل على فرصة عمل في احدى الفضائيات المحلية.

 

تقرير: اسامة الكحلوت

المصدر: غزة – وكالة قدس نت للأنباء -