بدأت رويداً رويداً تتكشّف خطوط وملامح المشهد الفلسطيني في المرحلة القادمة، بدءاً من قرب التوصل لاتفاق بين قيادة أوسلو والاحتلال الصهيوني فيما يُعرف بإعلان مبادئ جديدة " اتفاق أوسلو 2" ، وجهود حثيثة لإجراء مصالحة بين محمود عباس ومحمد دحلان، في ظل إجراءات غير مسبوقة لأجهزة أمن السلطة ضد المخيمات الفلسطينية، خاصة في جنين، ناهيك عن حملة تحريض إعلامية واسعة ضد قطاع غزة، تقودها قيادات من السلطة، ومواقع إعلامية قريبة منها.
الحديث يدور عن قرب التوصل إلى صفقة أمريكية صهيونية باتفاق مع قيادات السلطة على إبرام اتفاق طويل الأمد ، يتيح للسلطة إدارة شئونها الذاتية على الأجزاء الموجودة عليها أصلاً في الضفة مع ضم مساحة صغيرة من بعض البلدات والقرى التي ما زالت تحت السيادة الصهيونية، بالإضافة إلى تعزيز أواصر التعاون الاقتصادي عبر تعديل بسيط باتفاقية باريس الاقتصادية يتيح للسلطة استفادة جمركية بسيطة منها، أو بمجموعة جديدة من الامتيازات والمكاسب.
طبعاً، أساس الاتفاق قائم على ضم مساحة واسعة من أراضي المستوطنات في الضفة إلى مساحة دولة الكيان الصهيوني، وتعزيز العلاقة الأمنية بين قوات الاحتلال الصهيوني، وقوات أمن السلطة، يجبر الأخيرة على الالتزام بالاتفاقيات الأمنية المبرمة بينهم، وعلى رأسها استمرار التنسيق الأمني، والقضاء على المقاومة في مختلف مناطق الضفة. وهو ما يُفسر قيام السلطة بحملة واسعة ضد بؤر المقاومة التي شهدت في الآونة الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في نشاطاتها واستهدافاتها ضد قوات الاحتلال الصهيوني. فقيام عشرات الجيبات العسكرية التابعة لأجهزة أمن الرئاسة الفلسطينية، والمخابرات والوقائي، المدربة أمريكياً وأردنياً باقتحام مخيم جنين قبل عدة أيام، ومداهمة البيوت فيه، واعتقال العديد من رجال المقاومة، وحتى ضرب النساء بشهادة العديد من أهالي المخيم، يصب في خانة أن السلطة في صراع مع الوقت لمنع أي منغصات من شأنها تعرقل عملية الاتفاق القريب.
وصف رئيس وزراء الاحتلال " بنيامين نتنياهو" ما يجري من مفاوضات سرية بين الطرفين بأنها لم تفضِ إلى شئ، يؤكد بشكل قاطع أن ملامح تسوية جديدة سيتم الاتفاق عليها في الأسابيع القليلة القادمة، ذلك أن التجربة أكدت أن الاحتلال عادةً ما يواصل ضغطه على الطرف الفلسطيني الضعيف والمستسلم حتى بعد الاتفاق، من أجل الحصول على المزيد من التنازلات، والذي يؤكد كلامي هو تقاطع حملات السلطة المسعورة ضد بؤر المقاومة، واعتقالها أكثر من مرة القيادات الرافضة للتسوية والمفاوضات وحتى قمعها في المظاهرات الأخيرة مع حملة اعتقالات واسعة واقتحامات للمدن والقرى والمخيمات تشنها قوات الاحتلال الصهيوني لنفس تلك القيادات فيما يُعرف بسياسة الباب الدوار.
الأخطر في كل ذلك هو إقدام السلطة بعد التوقيع على الاتفاق على إعلان نهاية الصراع مع الاحتلال الصهيوني، واستجابتها للخطوط العامة التي سترسمها لها دولة الاحتلال، والتي تضمن استمرار دورة حياتها خدمةً للالتزامات المبرمة بينها وعلى رأسها محاربة المقاومة.
يُدرك المفاوضون أن استمرار قطاع غزة بعيداً عن سيطرة سلطتهم، في ظل تسارع وتيرة نفوذ الأذرع العسكرية للفصائل الفلسطينية وتسلحها بمختلف الأسلحة والعتاد، سيكون عامل كبح دائم لبسط اتفاقها على جميع " أراضي سلطة الحكم الذاتي"، الأمر الذي سيعزز من تأثير هذه الفصائل في الضفة المحتلة، وسيؤدي أخيراً إلى حدوث حالة من الحراك الشعبي الرافض لسياسة السلطة، وهو أمر قائم أصلاً الآن. فوجدت أفضل طريقة للتعامل مع هذا الملف الشائك هو إشغال سلطة حماس بحرب باردة بينها وبين السلطات المصرية، وسط غابة من التحريض الأعمى لم تطال حركة حماس وسلطتها فقط، بل جميع أبناء قطاع غزة.
لم تتعامل حركة حماس بذكاء مع هذا التحريض، بل ساقتها أصولها الدينية وارتباطها الوثيق بالأخوان المسلمين إلى معترك هذا التحريض السلبي من خلال فضائياتها التي أصبحت ناطقاً رسمياً باسم الأخوان المسلمين، فتشوهت صورتها أمام الملايين من الشعب المصري، فاستغلت السلطة وسفيرها في القاهرة هذا الموضوع في القيام بموجة هائلة من التحريض الأعمى ضد قطاع غزة، قادتها في الآونة الأخيرة وكالة معاً الإخبارية التي أصبحت بقدرة قادر ناطقاً رسمياً باسم سلطة أوسلو، وتمرر سياسات ممنهجة نقلاً عن مصادر مصرية وهمية وبتنسيق مسبق وكامل مع السلطة .
يتحمل ناصر اللحام مستشار عباس الإعلامي، و"أمين عام طائرة الرئاسة" المسئولية بشكل مباشر عن حملة التحريض الممنهجة ضد قطاع غزة، وصلت إلى حد تورطه المباشر في نشر التقارير والأخبار التي تفيد بقرب ضربة عسكرية مصرية لقطاع غزة، وقد بدأت وسائل الإعلام بالفعل نشر هذا الخبر نقلاً عن وكالة معاً. من الواضح أن اللحام بمشاركة من السفارة الفلسطينية بالقاهرة وسلطة رام الله، وبعض المسئولين المصريين من أتباع نظام كامب ديفيد، وبمشاركة دحلانية واسعة، يريد خلق أجواء توتر بين الشعب المصري وقطاع غزة، تمهد لضربة عسكرية صهيونية مباشرة للقطاع، تعيد السلطة سيطرتها عليه من أجل تثبيت اتفاق التسوية الجديد، وهذا هو أحد الأسباب الرئيسية لمحاولات عقد مصالحة بين عباس ودحلان.
ارتباطاً بكل ذلك، وبأوامر أمريكية ودولية عليا تشن وكالة غوث اللاجئين حملة تقليصات وعقوبات ضد اللاجئين الفلسطينيين والمخيمات، من أجل الضغط عليهم وابتزازهم للقبول بحل تسووي جديد يفرط بحقوقهم.
إلى متى سيبقى شعبنا الفلسطيني دافناً رأسه بالرمال، محاصراً براتب السلطة، مستسلماً لعقيدتها الأمنية وبابتزازات المجتمع الدولي، والمؤسسات الأممية؟؟!!! الحاجة ماسة وضرورية لاختيار البدائل والوسائل الجذرية لخوض معركة شعبية شاملة تطيح بالسلطة وبرموزها، تتعزز خلالها أشكال المقاومة ضد الاحتلال، وتتوحد فيها القوى والفصائل الفلسطينية الشريفة وتقر خطة مواجهة شاملة، تصوغ من خلالها منظومة اجتماعية واقتصادية وسياسية بمساعدة أصدقاء الشعب الفلسطيني هدفها تعزيز صمود الناس كبديل عملي وحقيقي للسلطة ومواردها المالية.
الحاجة ملحة أيضاً لعقد مؤتمر حوار مصري فلسطيني شامل، بمشاركة ممثلي أطياف الشعب الفلسطيني والمصري والقوى والفصائل الوطنية والإسلامية، من أجل معالجة جميع الإشكاليات والخلافات القائمة، يتم خلاله عودة الأجواء التاريخية الإيجابية بين الشعبين، وفتح المعابر بين الطرفين وفق اتفاق مع الفصائل الفلسطينية. مؤتمر فلسطيني مصري مشترك يتصدى للمحاولات الخبيثة من الاحتلال و مسئولي نظام كامب ديفيد وزمر السلطة لدق اسفين بين الشعبين، ويتصدى أيضاً لمحاولات الأخوان جر قطاع غزة في أتون معركة خاسرة مع الشعب المصري.
( انتهى)