لم يجد المعلق الرياضي الفنزويلي ما يقوله عندما أهدر المنتخب الكولومبي هدفاً محققاً قي مرمى منتخب بلاده سوى أن قال .. الرئيس ظهر في اللحظة الحرجة شامخاً ليصد عن مرمى المنتخب الفنزويلي هدفا محققاً .. والرئيس الذي يقصده المعلق الرياضي هو الرئيس الفنزويلي السابق "هوغو تشافيز"، وذهب الشباب الفنزويلي لترجمة ما قاله المعلق على لقطة مدبلجة على شريط فيديو غصت بها مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيها تشافيز وكأنه شبح يحرس مرمى فريق بلاده حين أطاح اللاعب الكولومبي بالكرة خارج المرمى، لعل ذلك يأتي ضمن منظومة عشق الشعب الفنزويلي لرئيسه السابق "تشافيز".
المؤكد أن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات امتلك قلوب شعبه، كبيره وصغيره رجاله ونسائه، من يتفق معه ومن يختلف معه، هذه المكانة للزعيم ليس بالأمر الهين الوصول اليها، فهي لا تنبع من قدرات محددة تتوفر في الانسان ليتوج بها في هذه المكانة لدى شعبه، بل تأتي حصيلة قدرات غير طبيعية تفرض حضورها على الآخرين، وهو ما بات اليوم يعرف بمصطلح الكاريزما "charisma "، وهي كلمة يونانية تعني هبة الإله، لما يتمتع صاحبها بقدرات غير طبيعية في التاثير على الاخرين والهامهم، ولما تمتلكه من قوة سحرية تستحوذ على ولاء وحماس الشعب له، ولعل هذا المفعوم دفع العالم الألماني ماكس فيبر "أحد مؤسسي علم الاجتماع الحديث" الى تقسم السلطة إلى ثلاثة أنواع، السلطة التقليدية والسلطة القانونية والسلطة الكاريزماتية"، وهو بذلك كان أول من ادخل مصطلح "كاريزما" إلى القاموس السياسي، وإن ظلت حتى اليوم تفتقر لتعريف دقيق سوى أن صاحبها يمتلك قدرات غير طبيعية تمنحه جاذبية تبقيه حيا في الذاكرة.
الملفت أن الرئيس ياسر عرفات تمتع بكاريزما قلما سجل التاريخ المعاصر مثيلاً لها، فرغم أن الموت غيبه منذ سنوات إلا أنه الحاضر الأكبر في ذاكرة ووجدان شعبه، استحوذ بمواقفه على مساحة واسعة في حكايات العامة والخاصة، بل كلما ضاقت الأمور بمواطن من شعبه ترحم عليه، وجاء بما تحتفظه الذاكرة ليؤكد على صدقية ما ذهب إليه، ولعله ليس من قبيل الصدفة أن تشتعل مواقع التواصل الاجتماعي منددة ومستنكرة خطيئة ابراهيم الحمامي بحق الرئيس ياسر عرقات، والمؤكد ايضاً أن الهجوم الواسع الذي تعرض له الحمامي من جراء فعلته لم يكن بتخطيط او إدارة أو رعاية من اي جهة كانت، بل ما حرك المواطنين ارتباطهم الثقافي والعاطفي بقائدهم، ولم يكن أبو عمار بقادر على أن يحظى بهذه المكانة دون أن يكون له ارتباطاً بشعبه في ادق تفاصيل حياته.
المؤكد أن ياسر عرفات لم يطلع على الدراسة التي أعدتها جامعة هارفارد المتعلقة بالعوامل الواجب توافرها في الشخصية الكاريزمية، ولكن في اعتقادي أنه استمد هذه المكانة من العمل بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم " ازهد في الدنيا يحبك الله ، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس"، فلقد كان زاهداً في الدنيا وزينتها، وكان حريصاً على أن يعطي شعبه ما بيده لا أن يطمع بما في ايديهم، بل كان يقفز على كرامته الشخصية كي يتمكن من إطعام شعبه.
العديد من الرؤساء سجلوا نجاحات لا يمكن انكارها في تطور وتقدم شعوبهم، ومنهم من حقق النصر على أعداء شعبه، ومنهم أيضاً من قفز باقتصاد بلده بخطوات كبيرة الى الأمام، والتاريخ سجل لهم ذلك، ورغم ذلك لا يملكون حب شعوبهم، ولعل الحاضر لا ينكر للرئيس التونسي السابق "زين العابدين بن على" أن تونس في عهده سجلت أعلى نمو اقتصادي في القارة الأفريقية رغم ضعف مواردها الطبيعية، إلا أن ذلك لم يمنع شعبه من الثورة عليه ودفعه لمغادرة وطنه، وفي المقابل هنالك من الزعماء من سكن حبهم قلوب شعوبهم، فحملوا سيرتهم في حياتهم كما في مماتهم مشاعل تنير لهم الطريق وتمنحهم الأمل في مستقبل أفضل، وقلة قليلة من بين هؤلاء من يمتلك كاريزما كما امتلكها الرئيس ياسر عرفات.
[email protected]