فلسطين أكبر منا جميعاً

> عُرف دوما عن الفلسطينين أن ساحات الحرية والتعبير عن الرأي لديهم لا حد لها وأنهم قدموا في هذا الميدان الكثير من الدم و المعاناة ، فهم وإن كانوا تحت إحتلال شاذ و فاشي في أرضهم المحتلة ، أو مشتتين في دول تحكمها سلطات أمنية وقمعية ، فأن الفلسطيني أينما حل كانت حريته تسبقه رافضا للإذلال بكافة صوره ، نعم ممكن أن يحيا الفلسطيني في خيمة ولكن أنفاسه الهدارة لا تتسع لها كل جنبات الارض ، نعم قد يكبل في زنازنته ولكن من قال ان الايدي والاقدام هي عناوين الحرية الوحيدة ، فصوته الحاد كان يخترق الجدران مزلزلاً عروش الظالمين و الجبارين ، نعم كانت تخطط المؤامرات لسلبه مزيدا من حقوقه ولكنه كان ينتفض ويثور ليعلي من قضيته فوق الأعناق و يسحق كل المخططات ، الفلسطيني لم يكن الا حرا عزيزا ابيا لا يقبل الضيم ولا يستكين للقمع ، ولكن يراد له اليوم بعد نكسات التسوية ونكبات الانقسام ان يرضخ للظلم ولكن ممن هم جزء منه ، فقد فطن عدونا و حلفاءه الشياطين ان لا أحد يمكنه أن يطأ على هامة الفلسطيني إلا الفلسطيني نفسه .


> فقد غرروا بداية بشريحة هامة واصيلة من شعبنا باسم مشاريع التسوية وما سمي بسلام الشجعان زورا، و قد ارتضت النخب في هذه الشريحة ان يقتسموا الوطن مع مغتصبيه ، و أهدروا الثوابت التي نافحوا عنها طوال سنوات عمرهم و قدموا من أجلها الشهداء و الأسرى و الجرحى ، فتنكروا لانفسهم و برروا ذلك بوهم ان الخيارات قد نضبت وأن الواقع العربي والإقليمي لا يسمح بالاستمرار بالكفاح المسلح ، و ان العمق العربي قد ادار ظهره لهم ، وقد نسوا بداياتهم عندما رفضتهم الكيانات والحكومات فاستعصموا بحقهم وقضيتهم فنالوا ثقة شعبهم ، و تجذروا في حقهم ، و وقفوا في وجه كل من أراد أن يزيحهم أو يزيلهم أو يجعلهم تبعاً له و لكنهم أبوا إلا قمم الجبال سؤدداً و قلوب شعبهم موطناً .


> ولكن كان ما لم يجب أن يكون و قبلوا بصالونات الفنادق ميادين للسجال مع من سلبهم حق الحياة و مارس ومازال الوانا من العذاب و الظلم بحق شعبهم ، و دفعهم هذا الميدان البغيض للقبول بالفتات على طاولات المفاوضات ، وما ذلك إلى لكونهم غفلوا عن فلسطينيتهم الشامخة و انساقوا مع دعوات المنبطحين و المرتمين على طرقات أمريكا وحلفائها ممن لا يعرفون الا مهنة التسول ولا يطمحون الا بحياة العبودية ، ولكنا نعلم ان فلسطينيتهم التي تطل من آن لآخر و تهبهم الصحوة التي يبرزون بها أجمل ما فيهم وهو عزتهم و حريتهم ستظل تشدهم الى حيث يجب ان يكونوا والا فسوف تبتلعهم الارض التي انجبتهم وتمحقهم .


> و هناك شريحة أخرى أستدرجت إلى المكان الذي لطالما كانت أدبياتها و تراثها على النقيض منه ، ففلسطين التاريخية و خيار المقاومة الاصيل و العداء بلا حد للكيان الغاصب كل هذه المنطلقات تاهت او على الأقل بهتت أمام الواقع ومتطلبات المرحلة ، فالانتخابات صارت مباحة تحت مظلة أوسلوا بعد أن كانت كفرا وخيانة ، و الهرولة إلى اللقاءات الدبلوماسية مع ما كان مسماه الغرب الكافر أصبح أسمى الأماني و الهدنة أصبحت هي الأصل أما المقاومة فهي العارض الذي يباغتهم كل عدة أعوام ليهبهم نصرا يزيد من حرصهم على تثبيت الهدنة !!!


> و الهتافات السابقة برفض الاعتقال السياسي و التعذيب في السجون وكبت الحريات أصبح جهادا و تعزيرا في شكله الجديد الملتحي والمغلف بالقدسية والشرعية الدينية بعد ان كان موسوما بصفات القمعية و التجبر و الظلم من قبل هذه الشريحة فيما كان يعده سابقيهم من ضرورات المصلحة الوطنية !!! ، وأقاموا بناءا لم يراعوا فيه إلا أن تكون جميع مفاتيح أبوابه في أيديهم و هم يظنون أن ذلك كاف لبقائهم وإستمرارهم و كأن من إحتواهم هذا البناء أشياء لا قيمة لها و قد غفلوا أن غالبهم لم يرضعوا من حليب الطاعة الاخواني و لم تضبط شيفرة آذانهم على موجات الخطب الهلامية .
> ان الصوت المجلجل للشعوب لا يخضع للحسابات الحزبية ولا القراءات السياسية و لا يسير متوازيا مع المخططات التآمرية ، صوت الحرية لا قيود من أي نوع يمكن أن تحتويه ، ومن يتوهم أن بإمكانه أن يخدع الناس طويلا عليه أن يجهز نفسه للإنكشاف و التعري يوم لا ينفع الندم فأن الله عزوجل كما أقام يوما للعدل في سماءه فأنه لم يترك الأرض دونما قبس نوراني يشع وفق ناموس إلهي حكيم ليجعل الارض مكانا قابلا للحياة ولو جزئيا .


> و ثورات الشعوب ما هي إلا قيامة أرضية على من أستكبر و غوى وكمم الأفواه و كبل الأيادي و نهب الخيرات و أعتلى الناس يسوقهم سوق الإبل والخراف بعصاه لا يرعوي لحق أو يلتفت لمعاناة و يسمع آهات المقهورين ، و لا يهمه أن يقيم عدلا أو يصحح إعوجاج أو يزرع في الأرض فسيلة الكرامة ، همه نفسه و أمله يومه ، يفرح كثيرا و لا ينظر خلفه ، فعله مقدس و غيره مدنس ، إذا نصحته كرهك ونالك منه سوء ، و اذا استنكرت عليه عمله قام اليك منكرا جرأتك مفرقا جماعتك وهادما حياتك ، وإذا مدحته كاذبا أركبك الدنيا و جعلك من خواصه المشهود لهم ، وهذا حال الظالمين الذين تعهد الله بعدم هدايتهم و من لا هداية له لا صلاح لحاله ومن أظلمت نفسه لا أحد ينجيه لكونه عدو نفسه ووقتها فزواله يقيني وبقاءه ظني واليقين أحب إلينا من الظن فالظن لا يغني من الحق شيئا .
> فيا رعاة الظلم في العالم أجمع وفي بلدنا خاصة ، يا من إستمرئتم إذلالنا و تقزيمنا و إقصائنا و سوقنا إلى المجهول ، يا من فقدتم البوصلة و كان التيه مصيرنا بسببكم .
> فألى من صدعتم رؤسنا بشعارات الوطنية وركبتموها لتحيوا حياة هنيئة وتحولتم لصائدي جوائز و قبلتم أجرة على نضالكم السابق أعيدوا فلسطين إلى حضنكم أو فلتعودوا إلى كنفها و أخرجوا من ذواتكم الضئيلة إلى رحابة فلسطين العظيمة .
> وإلى من ملأتم الأرض ضجيجا بكونكم الأطهر و الأقرب إلى الله و أن الدين نهجكم فأستفقنا من قولكم على فعلكم ، فأستمرئتم القتل و الظلم بعد أن عاينتموه سابقا ، و سكنتم مساكن الذين ظلموا بل وتفوقتم عليهم ، وأهدرتم قيمة الانسان أينما حللتم ، و كنتم أشحة في الخير لا يهمكم إلا كيانكم الخاص وكأن الناس من حولكم لا جدوى من وجودهم ، فاستثقلتم الناس فاستثقلوكم و أخذتم أموالهم فكرهوكم و أستعليتم عليهم فأوغرتم صدورهم ومع ذلك كانوا أوفياء لكم في المحن و الكربات وعند مواجهة العدو فما جعلكم ذلك إلا أكثر إزدراءا لجموعهم ففي أي وقت ترجعون عن أوهامكم و تلتحمون بأناسكم ففلسطين الكبيرة وكل أبنائها المخلصين بانتظاركم ، إن أردتم !!!


> وإلا فمن تكبر على أرض القداسة والطهارة فهي أكبر منه و ستلفظه عن أرضها وسماءها ليبتلعه بحرها بلا رجعة .
> القادم حريتنا ، القادم كرامتنا ، القادم فلسطين ، فلا صوت يعلوا فوق صوت الشعب الفلسطيني الأبي والعظيم ،
> ولا صوت يعلو فوق الصوت الحق الفلسطيني ، ولا صوت يعلو فوق صوت الحرية الهدار .

فلسطين أكبر منا جميعا
فالرب حاميها ،و وروح القدس هاديها، و رسل السماء ساكنيها، و المجد كاسيها، والنصر آت آت للمرابطين على أراضيها.

محمد حرب