هذا هو الإسلام
الحج أشهر معلومات
أظلَّتنا عشر ذي الحجة فجر هذا اليوم ؛ شريفةٌ أيامها ؛ فضيلةٌ لياليها ؛ أقسم الله عز شأنه بها لعظيم مكانتها عنده ، فقال سبحانه وتعالى " والفجر * وليال عشر " الفجر 1-2 ، حيث يرى جمهور المفسرين أن المقصود من الآية هي عشر ذي الحجة ، وهي جزء من أيام موسم الحج وأشهره ، والوتر عندهم هو يوم عرفة لأنه التاسع ، والشفع هو يوم النحر لأنه العاشر ، وهذان اليومان أفضل الأيام العشر ، قال تعالى { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ } البقرة 197 ، فنحمد الله ربنا أن بلغنا شهر ذي الحجة المحرم ، وأن بلغنا عشرته المعظمة .
فهي من أَفضل الأيام قال صلى الله عليه وسلم فيها { ما من الأيام أيامٌ العمل فيه أفضل من هذه الأيام قيل ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع بشيء منه } رواه البخاري . وهي مواسم للذكر فيُستحب فيها الإكثار منه زيادة على غيرها من الأيام . وفيها يضاعف العمل الصالح ؛ لذا يُندب الاجتهاد في العبادة وزيادة عمل الخير بشتى صوره وأنواعه , فيندب صيام أيامها وإحياء لياليها ؛ قال صلى الله عليه وسلم { ما من أيام أحب إلى الله أن يُتعبد له فيها من عشر ذي الحجة يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر } رواه الترمذي ، فطوبى لمن أصبح اليوم صائماً .
شرع الله فيها من الطاعات والقربات ما لم يشرع في غيرها ، فاجتمعت فيها عبادات عظيمة وشعائر جليلة :
1- أداء الحج والعمرة ، وهما من أفضل العبادات في هذه العشر المباركة ، فمن بلَّغه الله سبحانه تلك الديار المقدسة فقد اجتمع له شرف الزمان وشرف المكان وأفضليتهما ، فلْيجتهد ما استطاع بأداء شعائرهما على الوجه الأكمل ، وليحرص على موافقة الهدي النبوي فهذا هو الحج المبرور الذي لم يخالطه إثم أو فسق أو رفث ، فإنْ فعل فجزاؤه الجنة لقوله صلى الله عليه وسلم { العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة } رواه البخاري .
2- صيام هذه الأيام أو ما تيسر منها ، قال صلى الله عليه وسلم { ما من أيام أحب إلى الله أن يُتعبد له فيها من عشر ذي الحجة ، يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر } رواه الترمذي . والصيام ذاته أصلاً من أفضل العبادات والأعمال الصالحة المقربة إلى الله ، فهو مما اصطفاه منها لنفسه وأضافه إليه ، قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه في الحديث القدسي { كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به } رواه البخاري .
3- الذكر في هذه الأيام لقوله تعالى { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ } الحج 28 ، واستحب العلماء كثرة الذكر فيها بكل ما تيسر من أنواعه كالتكبير والتهليل والتحميد والتسبيح والاستغفار ، لقوله صلى الله عليه وسلم { ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد } رواه أحمد ، وروى البخاري عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم أنهما كانا يخرجان إلى السوق في العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما استهداء بقوله تعالى { وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } البقرة 185 .
4- التوبة إلى الله تعالى والإقلاع عن المعاصي والذنوب والاستغفار منها ، فالمعاصي تباعد بيننا وبين ربنا وتغضبه علينا ، قال تعالى { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } النور31 ، فالتوبة من السيئات وإتباعها بالحسنات يمحوها من صحائف الأعمال ، وهذا هو الفلاح الحقيقي في الدنيا والآخرة ، قال تعالى { وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ } هود 114.
5- كثرة الأعمال الصالحة من الفرائض ونوافل العبادات ، قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال { وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه } رواه البخاري ، فتجب المحافظة على الصلوات المفروضة والجماعات في أوقاتها ، ويستحب الإكثار من نوافل الصلاة وسننها في هذه الأيام فإنها من أفضل القربات إلى الله تعالى ، ومن لم يؤد زكاة ماله في رمضان فليؤدها في العشرة الأيام هذه .
ويستحب للمؤمن أن يكثر من الصدقات فيها ، فالصدقة تمحو نار الذنوب والآثام وتطفئها ، وتطهر النفوس وتبارك في الأموال ، قال تعالى { يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كُفَّارٍ أَثِيمٍ } البقرة 276 ، وقال صلى الله عليه وسلم { والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار } رواه الترمذي .
وتستحب مناجاة الله سبحانه بتلاوة كتابه وتدبر آياته ، قال صلى الله عليه وسلم { من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول آلم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف } رواه الترمذي .
والتاسع من شهر ذي الحجة هو يوم عرفة ، يوم عظيم اختصه الله تعالى بوقوف الحجاج في صعيد عرفات ؛ ركن الحج الأعظم الذي يتوقف على فواته بطلان هذه العبادة ؛ فقد { أَمر صلَّى اللهُ عليه وسلم منادياً فنادى : الحج عرفة ، من جاء ليلة جمع – أي ليلة مزدلفة - قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج } رواه الترمذي ، وفيه يُقْبِلُ ضيوف الرحمن على ربهم إقبالاً منقطع النظير ؛ خاشعين ضارعين يرجون عفوه ورضاه ؛ متجردين من الدنيا وزينتها يستذكرون يوم الحشر ، فيتجلى عليهم سبحانه برحمته وإكرامه ويشهد ملائكته بالغفران لهم ؛ قال صلى الله عليه وسلم { ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيَقول ما أراد هؤلاء } رواه مسلم .
فالسُّنَّة كثرة الدعاء يوم عرفة والتضرع إلى الله ، فهو توجه القلب والعقل والروح إلى الباري عز وجل بالرجاء والطلب والسؤال ، وينبغي أن يدوم العمر كله ليلاً ونهاراً في الشدة والرخاء ، فإنه مخ العبادة وجوهرها ومزيد اقتراب من الله الذي قال { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } البقرة 186 ، والدعاء مخ العبادة وجوهرها ، قال صلى الله عليه وسلم { خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير } رواه الترمذي .
وفيه يخسأ الشيطان ؛ قَال صلى الله عليه وسلم { ما رُئِيَ الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة } رواه مالك ، فلنحرص في هذا اليوم أن نسأل الله من عظيم فضله من خير الدنيا والآخرة ، قال صلى الله عليه وسلم { إذا دعا أحدكم فلا يقل اللهم اغفر لي إن شئت ولكن ليعزم المسألة وليعظم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه } رواه مسلم ، أما الصمت عن الدعاء فليكن للاشتغال بذكر الله ، فإنه أعظم وأعلى أجراً وجزاء من الدعاء ، وبالأخص إذا كان معه خشوع القلب وحضور الفكر .
ويستحب لغير الحاج صيامه لفضله على سائر الأيام ؛ قال صلى الله عليه وسلم { صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده } رواه مسلم ، ولعلّ الله سبحانه أيضاً أن يعصمه من الذنوب .
وأما يوم العاشر من ذي الحجة فهو يوم النحر ، يوم المكافأة من الله لعباده الأبرار ولحجاج بيته الحرام ، وعيداً لهم ولكل من وراءهم من الأمة ؛ يبتهجون بأداء ركن الإسلام ، ويتقربون فيه إلى ربهم بصلاة العيد ، ويستحب التقرب إلى ربه عز وجل أيضاً بذبح الأضاحي ؛ رمزاً للتضحية والفداء وتوسعةً على الأهل والفقراء ولإدخال السرور إلى قلوب المساكين والضعفاء ؛ قال صلى الله عليه وسلم { ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم إنها لتأتي َيوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض فطيبوا بها نفساً } رواه الترمذي ، واستذكاراً لسيدنا إبراهيم وآله وطاعتهم المطلقة لله تعالى ، فقد { سُئِلَ صلى الله عليه وسلم عن الأضاحي فقال : سنة أبيكم إبراهيم قالوا فما لنا فيها يا رسول الله ؟ قال بكل شعرة حسنة } رواه أحمد .
والأضحية ما يذبح تقرباً إلى الله تعالى يوم النحر من الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم لقوله تعالى { ولكل أمة جعلنا منسكاً ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } الحج34 ، ويشترط لها سن معينة فيجزىء من الضأن ما أتم ستة أشهر ومن المعز ابن سنة , ومن البقر ابن سنتين , ومن الإبل ابن خمس سنين . وتشترط سلامتها من العيوب الفاحشة التي تنقص الشحم أو اللحم ، فينبغي للمسلم أن يتخير ما يتقرب به إلى الله ، قال صلى الله عليه وسلم { لا يجوز من الضحايا العوراء البيّن عورها والعرجاء البيّن عرجها والمريضة البين مرضها والعجفاء التي لا تُنْقِي } رواه النسائي .
وسآتي على تفصيل بعض ذلك في حلقة الأسبوع القادم بإذن الله تعالى .
فلْنكثرْ في هذه العشر من الطاعات ولْنتقربْ إلى الله تعالى بفعل الخيرات ؛ قال تعالى { ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير } الحج 28 .
الشيخ الدكتور تيسير التميمي قاضي قضاة فلسطين/رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي سابقاً
www.tayseer-altamimi.com ، [email protected]