في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الوطن والمواطن ، جاء تقرير صندوق النقد الدولي ليرسم صورة قاتمة لوضع الاقتصاد الفلسطيني ويوضح مدى هشاشته ، كما يبين حجم المديونية العالية والتي وصلت إلى حوالي 4.3 مليار دولار ، وعلى الرغم من هذه الصورة القاتمة للاقتصاد الفلسطيني ، لم نجد ترجمة فعلية لهذه الصورة من قبيل تقليل النفقات ومحاولة شد الأحزمة ومصارحة الناس بحقيقة الواقع المالي والإعتراف بوجود أزمة حقيقة تتطلب تظافر كافة الجهود ، كما لم يتم الدعوة للبدء بحوار حقيقي مع النقابات ومكاشفة مسئولة للمواطنين بحقيقة الوضع المالي ، ولم يتم إشراك الجميع في وضع الحلول المناسبة لتحصين الموقف الفلسطيني وضمان عدم خضوعه للإبتزاز المالي .
على العكس من ذلك كله يبدو أن الحكومة تعيش في واد آخر وتتعامل مع الأمور التي تخص رفاهية أعضائها بكثير من التبذير وما يخص المواطنين والموظفين بكثير من التقطير .
وسأقوم بتسليط الضوء على وجه من أوجه الإسراف في النفقات يصل إلى حد شبهة الإهدار والفساد والتربح ، ألا وهو سفريات معالي الوزراء والمسؤولين المتكررة والطويلة .
على الرغم من أن مهمة الوزير الأساسية هي إدارة شؤون وزارته ، وتوجيه طواقمها نحو العمل والانجاز، والتواصل مع العاملين فيها للإطلاع على مشكلاتهم ومعالجتها، قد يضطر الوزير أحياناً إلى تلبية دعوة لزيارة بلد ما، سواء لتوقيع اتفاقيات أو لحضور مؤتمرات تتعلق بقضايا تقع في صميم اختصاصه ووظيفته الرسمية، لكن الأصل أن تكون هذه الزيارات قصيرة ما أمكن ، ولها أسباب وجيهة ، ومن ورائها نتائج مفيدة تصب في مصلحة العمل لا في مصلحة المسؤول الشخصية.
بعض الوزراء في حكومتنا الموقرة ما شاء الله مثل الطيار يعني يوم في رام الله وعشرة في الطيارة ، حيث يتبارى بعض الوزراء فيما بينهم في عدد الأيام التي يقضونها في مهمات خارج البلاد تصل في كثير من الأحيان إلى أكثر من 10 أيام ، وقد كان يقال لنا بأن السفريات الخاصة بالوزراء تقتصر على المهمات الضرورية ، فأكتشفنا ما شاء الله !!! أن كل مهمات الوزراء ضرورية وأنهم حين يتنزهون ويرفهون عن أنفسهم فهذه قمة الضروريات والتي ستعود على المواطنين بالفائدة من خلال أن الوزير الهمام سيكون هادي البال بعد رحلات الإستجمام .
وقد يقول قائل لماذا تتحاملون على الوزراء وأغلب المهمات التي يذهبونها هي مهمات مستضافة ولا تكلف الدولة أى مبالغ مالية ؟؟!!! ، إذا كان الأمر كذلك فليتوقفوا عن أخذ بدل المهمات والنثريات .... إلخ من الكماليات .
وبحسبة بسيطة ولو إفترضنا جدلاً أن كل المهمات مستضافة ، فوزير راتبه 3000 $ وبيسافر 10 أيام في الشهر وعن كل يوم يستحق 300$ أو أكثر يعني راتب الوزير يصل إلى أكثر من 6000$ ، وبعد ذلك يقولون هناك ضرورة للتقشف ، هناك أزمة ، وتبدأ عيونهم تشخص إلى جيوب الموظفين بإعتبارها آبار نفط يجوز الإقتطاع منها والتسويف في صرفها .
إن أكثر ما يجعلك تشعر بالمرارة والألم أن ترى أنه في دولة مثل بريطانيا ذات الموارد الإقتصادية الضخمة و الإمبراطورية السابقة التي كانت لا تغيب عنها الشمس يقوم وزير الدفاع السابق فيها بتقديّم 15 طلباً للمطالبة بمبلغ يقل عن جنيه إسترليني واحد من مخصصاته البرلمانية لتغطية تكاليف رحلات سيارته !!!!
كما أن ما يزيد مرارتك ويجعلك تشعر بالحسرة والدهشة معاً وفي آن واحد ، أن أغلب المعاملات المالية تصطدم بالعقبة الكئداء في وزارة المالية والمتمثلة في عدم وجود موازنة مخصصة لهذا البند أو ذاك ، الخزائن تملؤها شباك العناكب عندما يتعلق الأمر بحقوق الموظفين أو استحقاقاتهم ، إلا أن تلك القاعدة تنكسر عندما تحضر زيارة الوزير والمسؤول، إذ سرعان ما تهبط الدولارات، ويقلع معاليه نحو العالم مرتاح البال.
نحن لا نطالب السادة الوزراء بالتوقف عن التفسح العائلي في السيارات الحكومية ولا التوقف عن دفع فواتير الهواتف المنزلية والخاصة من الموازنة العامة ، ولا عن التنازل عن جزء من الراتب لصالح دعم الموازنة العامة ، بل نريدهم أن يتقوا الله فينا وفي الوطن ويلتفتوا للمهمات الجسام الملقاة على عاتقهم .
ونحن لا نريد أن نسأل : ما الذي يمكن للوزير ان يفعله على مدى أكثر من عشرة أيام خارج البلاد، ولا عن “نتائج” هذا الغياب وجدواه على صعيد العمل الرسمي الموكول اليه ، والوزير مفكر حاله جعفر الطيار في الجنة سيار وفي الفضاء مسبار ومن كثر تنقلاته بطل يعرف الليل من النهار.
يمكن مفكر أنها جمعة مشمشمية ويمكن ما يلحق ياخذولوا شوية ... يمكن !!!!!!!!!.
يعني بالعربي الفصيح إذا كان سفر الوزير مهم فبقائه أهم في ظل أوضاع صعبة يعيشها الوطن والمواطن ونحن لا نقلل من قيمة المشاركات ولكن الإلتفات إلى الداخل أهم فقد أصاب الناس الغم ، وباتت فلسطين الأسوأ بعد كينيا في العالم من حيث المساواة او عدالة توزيع الدخل ، ومعظم الوزراء إلا من رحم ربي يضرب بعرض الحائط معاناة الموطنين وخصوصاً أهل قطاع غزة وموظفيه فإهمالهم سيد الموقف .
وعليه فإنني أذكر السادة الوزراء بأنه إذا كان للسفر سبع فوائد كما قيل، فإن بقاءهم على الأقل له سبعون فائدة ويمكن تمثيلهم في المهمات الخارجية بمستويات أقل وأقل تكلفة .
وأختم بهذا الرجاء والأمل للأخ رئيس هيئة مكافحة الفساد أن يعمل على أن تقوم الهيئة بفتح ملف سفر الوزراء والمسؤولين بغرض التربح والترفيه ، ودراسة حجم التجاوزات فيه وهل تشكل أرضية لتقديم هذا المسؤول أو ذاك للمحاكمة ؟؟
صحيح ... لا يمكن أن ننسى أن نطلب من الأخ مسؤول هيئة المعاير أن يقدم لنا حركة لبعض الوزراء اللي يمكن خلص جوازهم من كثرة الأختام والسفريات . صحيح هم يبكي وهم يضحك ...
الكاتبة : هنادي صادق .