هل العالم أمام سقوط للدولار !!

بقلم: حسن عطا الرضيع


ولا زال مسلسل الأزمات الاقتصادية مستمرة فبعد خمسة سنوات من اندلاع الأزمة المالية العالمية عام (2008) والتي بدأت بانهيار سوق العقار الأمريكي بعد موجة كبيرة من التسهيلات للفرد الأمريكي والتي تمثلت بتوسع البنوك بعمليات الإقراض وخصوصا مع بدء العام (2000)حيث اتبعت البنوك سياسة نقدية انتعاشية وتوسعية لزيادة وتيرة النشاط الاقتصادي حيث تم خفض سعر الفائدة الى حدود متدنية تقترب من الصفر بعدما وصلت بنهاية (1979) الى (19%) , تلك السياسة التوسعية أدت لتوسع كبير في النشاط العقاري وظهور حركة كبيرة في سوق العقارات الأمريكية وبلغت قيمة القروض العقارية للفترة (2001-2007) (10.5) تريليون دولار وهو ما شكل عام (2007) (71%( من الناتج الاجمالي الامريكي وبسبب موجة التوسع في الاقراض العقاري ارتفعت أسعار العقارات بشكل جنوني لم تعكس تكلفتها وقيمتها الحقيقية وكذلك ظهور المضاربات في اسواق المال واستحداث ادوات مالية جديدة كالمشتقات المالية والتوريق وغيرها والتي ادت الى انفجار فقاعة العقار ببداية اكتوبر للعام (2007) , وبعدها دخل الاقتصاد الامريكي والعالمي بازمة ركود اقتصادي ولحق الاقتصاد العالمي خسائرجمة وخلفت اثار اقتصادية واجتماعية كبيرة منها زيادة معدلات الفقر والبطالة وتباطو النمو الاقتصادي وانخفاض الانتاج وتراجع الاستثمارات واتساع الفجوة بين الاغنياء والفقراء والتفاوت في الدخول وكذلك زيادة حجم المديونية وافلاس دولا مثلا ايسلندا وتخفيض التصنيف الائتماني لعدد من الدول وتدهور الاوضاع الاقتصادية لدول المركز المتقدم, كذلك اتساع دائرة المناهضة للنظام المالي القائم وخصوصا حركة احتلوا وول استريت والتي انطلقت في اكثر من (200)مدينة حول العالم والتي تعتبر نفسها تمثل (99)% من المجتمع الامريكي, وهناك بعض المؤشرات التي تؤكد تراجع الاقتصاد وهي انخفاض معدلات الادخار الوطنية وارتفاع العجز التجاري وزيادة الديون السيادية وارتفاع العجز في ميزان المدفوعات وانخفاض النمو الاقتصادي وتراجع نمو الانتاجية وكذلك تراجع الطلب العام الامريكي بمقدار (3) تريليون دولار سنويا وهذا يعني ان دخول الافراد بأمريكا يساوي طلبهم وهذا يشير الى تراجع حجم الاستثمارات وحتى انخفاض اسعار الفائدة لتقترب من الصفر لم تحفز الطلب الكلي الفعال بشقيه الاستثماري الاستهلاكي بسبب انخفاض القدرة على الشراء, كذلك حققت العديد من الدول المتقدمة لمعدلات نمو سالبة ,
واتجه العالم بعد الأزمة المالية للعام (2008)نحو تشكل أقطاب جديدة, وبالتالي اصبح العالم ثنائي الأقطاب مع تشكل مجموعة البركس والتي تضم خمس دول وهي الصين وروسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا والهند والتي تشكل (40)% من سكان العالم , بعد عقدين من احادية القطب التي تمتعت بها الولايات المتحدة الامريكية والتي تميزت بالهيمنة اعلى الاقتصاد والسياسة , مما يعني اندلاع الحرب الباردة من جديد.
وكذلك انشاء مجموعة البركس الاقتصادية سيؤدي الى تراجع دور الاقتصاد الأمريكي والى تراجع التعامل بالدولار وإحلال عملة اليوان الصينية . حيث تعد الصين والهند والبرازيل وروسيا من الدول العشر اقتصاديا في العالم بالنسبة للناتج المحلي الاجمالي .



ولكن الأزمة المالية هي ليست وليدة اليوم بل هي امتداد لأزمة العجز التجاري التي شهده الميزان التجاري الأمريكي عام (1971) حيث اعلنت الولايات المتحدة الامريكية بهذا العام عن اول عجز بعد تخلي الرئيس الامريكي نيكسون رسميا تعامل بلاده بقاعدة الذهب ورفضت تغطية الدولار بالذهب وبدأ بنكها المركزي بإصدار حر للنقد واتباع سياسات نقدية توسعية أدت بالنهاية الى ازمة الركود التضخمي ومنذ عقد السبعينات شهد الاقتصاد العالمي العديد من الأزمات المالية والنقدية و الاقتصادية أبرزها أزمة (2008) وهي لا تقل خطورة عن أزمة الكساد العظيم في الفترة (1929-1933) والتي بدأت شرارتها بانهيار بورصة وول استريت وتراجع لأسعار الاسهم الامريكية وانتقلت الازمة الى اوروبا وامريكا اللاتينية ومن نتائجها انهيار المصارف وتهاوي قطاع الاسكان وفقدان (9) بلايين دولا ر من حسابات المدخرين وإفلاس الالاف من المشروعات الصناعية والتجارية وتراجع لمعدلات الانتاج والتشغيل وارتفاع لمعدلات البطالة والتي وصلت الى (25) % وفقدان ملايين العمال لعملهم وذوبان لثروات الافراد بالبورصات كذوبان الحلوى الهشة وإغلاق للمنشات الصناعية والاقتصادية وخصوصا بأوروبا وتراجع الطلب العالمي والذي كان سببا لاندلاع الحرب العالمية الثانية (1939-1944) وعولجت الازمة من خلال رؤى الاقتصادي كينز من خلال كتابه النظرية العام للتوظيف والنقود وسعر الفائدة (1936) وبعدها دخل العالم بمرحلة الرفاه الاقتصادي والتي استمرت من (1940-1971) وعرفت بدولة الرفاه الاقتصادية , ولكن حجم الخسائر التي لحقت بالاقتصاد الامريكي كأقوى اقتصاد عالمي ينذر بأزمة جديدة وخصوصا مع مشكلة رفع سقف الديون وهي التي خلقت صراعا بين البيت الابيض والكونجرس حيث تعد الولايات المتحدة الامريكية اكبر مدين في العالم ويزيد الدين عن (16) تريليون دولارويفوق الناتج الإجمالي البالغ (15) تريليون دولار وارتفاع سقف الدين عن هذا الحد كفيل بتراجع وضعف الدولار مما سيعكس أزمة عالمية تزيد ضراوة عن أزمة (2008) .


ويمكن القول بأن اندلاع تلك الأزمات الاقتصادية يمثل تحديا كبيرا للنظام الاقتصادي القائم والذي يؤكد وبالأدلة الدامغة على حقيقة مفادها ان تلك الازمات هي ازمات هيكلية ومزمنة وبنوية وتلازم اسلوب الانتاج الرأسمالي وهي لم تعد أزمات طارئة يمكن علاجها, حيث الاختلال في بنية النظام وهذا لايعني فشل النظام او حاجة العالم لتغييره بقدر ما يحتاج لايجاد نظام اقتصادي بديل أكثر عدالة وسوية وندية ويحمي مصالح البشرية جمعاء ويحد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية القائمة كالبطالة والفقر والتفاوت بين الدول وبين الشعوب , ويحسن من مستويات المعيشة ويعيد النظر في الية عمل الاسواق المالية ويهتم اكثر بالاقتصاد الحقيقي .