في غزة رجالٌ وعجوةٌ

بقلم: فايز أبو شمالة

الأول له وظيفة مرموقة في الأجهزة الأمنية في غزة، بعد عودته من العمل، شمر عن ساعده، وراح يساعد زوجته في عمل العجوة، فما علاقة العجوة بالأمن الفلسطيني؟
قال: غزة في حصار، والعدو يستهدف كل مناحي حياتنا، ولدينا في أسواق غزة كميات هائلة من الرطب، إنه يباع بأسعار زهيدة، فلماذا لا نخبئ قرشنا الأبيض لليوم الأسود، ولاسيما أن لدي أكثر من عشرة أولاد في البيت، والراتب البريء من الرشوة والغش قليل مهما كان، لذلك أشارك زوجتي وأولادي في صناعة العجوة، وتخزينها لأيام الشتاء القادمة.


الثاني له وظيفة مرموقة في الأونروا، بعد عودته من العمل شمر عن ساعده، وراح يصنع العجوة بنفسه، فما علاقة العجوة بالأونروا؟
قال: لقد اغتصب الصهاينة أرضنا سنة 48، وطردونا في كثبان رمل غزة، لقد كبرنا حتى صار تعداد سكان قطاع غزة 2 مليون إنسان، نجحوا في أن يجعلوا من رمل غزة واحة نخيل، أغرقت أسواق غزة هذه العام بالرطب، فلماذا لا أصنع عجوة، لأولادي العشرة؟


وما أسهل صناعة العجوة!
افسق حبة الرطب، ارم قشرتها، اجعلها فلقتين، رصها على الصينية، عرضها لحرارة الشمس ثلاثة أيام، احرص ألا تبات تحت الندى، ثم اطحنها، واجعلها في أقراص، ثم عقمها، وذلك بتعريضها لحرارة الفرن قليلاً. رش على وجهها السمسم أو جوز الهند، يصير لديك مخزون محترم من العجوة، يكفيك كل فترة الشتاء.


موسم عمل العجوة في غزة يكشف عن معدن الرجال، فبعض رجال غزة يكد نهاره، ويعمل بلا كلل، ويكد ليله مع أهل بيته، ويقوم بواجباته بلا ملل، وبعض رجال غزة ينام نهاره من وطأة الملل، ويتثاءب ليله من شدة الكلل.


انصح بعض رجال غزة، ولاسيما أولئك الذين يجلسون مع النسوة بلا عمل، وأقول لهم: انشغلوا بصناعة العجوة، وارحموا نساءكم من أحاديثكم السياسية التي عفا عليها الزمن.