حياتنا سبهللة، وسبهللة لا تمت بصلة قرابة إلى الفهلوة، فالأولى لها من الأصل والفصل ما يجعلها تمتد بحسبها ونسبها لقرون عدة قي التاريخ، عاشرت من البشر الكثير، فطوتهم دون أن يسجل لهم التاريخ شيئاً، فيما الثانية حديثة النشأة لا تفاخر بأصلها بقدر ما تعتز بمواصفاتها، كفتاة تجيد استخدام الماكياج وإرتداء الموضة، وسبهللة كي لا يساء فهمها ويصيبها من التجريح والتقريح ما يصيب الكلمات الهابطة، فهي من صلب اللغة العربية الفصحى، ويمكنها أن تحتمي، ممن شكك في أصلها، بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه " إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللا "، وأن تكون سبهللاً تعني أن تكون فارغا لا تعمل لدنياك ولا تعمل لأخرتك، وعلى إعتبار أن العمل للآخرة هو بين العبد وربه، لا دخل لباقي العباد فيه ولا يمكلك أحدهم مهما عظم شأنه أن يكون وسيطاً بينهما، اللهم بما ملك من النصيحة والحكمة والموعظة الحسنة.
والسبهللة في لغتنا المعاصرة أن تجهل الهدف الذي تصبو إليه، وطالما غاب الهدف فمن الطبيعي أن تغيب معه الارادة والرؤية والآلية، عندها ينفصل المرء عن محيطه ويفقد معها لغة الحوار مع المكان والزمان، والمرء بطبعه لا يميل إلى ذلك، ولكن قد تفرض البيئة عليه طقوسها ويجد نفسه يدور في فلك المجموع، قد لا يتوقف المجتمع أمام مجموعة منه ارتضت لنفسها هذا المسار، ولكن على المجتمع التوقف بجدية عندما تصبح السبهللة ظاهرة تضرب أطنابها فيه، ولو قدر لنا أن نتفحص واقعنا الفلسطيني بشيئ من التجرد لأدركنا التمدد الكبير الذي اصاب فريق السبهللة داخل مجتمعنا الفلسطيني، رغم أن جلهم انضم إليه رغماً عن أنفه، سواء بفعل البطالة التي استفحلت في المجتمع وبخاصة بين الجيل الشاب، والانقسام وتداعياته يتحمل قسطاً وافراً من المسؤولية، أو بفعل القرارات الغير مدروسة التي أطاحت بفريق عامل إلى قارعة الطريق.
من الطبيعي في ظل ازدهار وتوسع أعضاء حزب السبهللة أن يجد المنتسبون لحزب الفهلوة ضالتهم، حيث الطريق ممهدة أمامهم ولا يحتاج صعود سلالمها الكثير من الجهد، والفهلوة في لغتنا الدارجة تأتي تحت يافطة "الشطارة"، والشاطر بمفهومنا الحديث للكلمة وما تعنيه هو الطالب النجيب المجتهد، أم الشاطر بمفهومها زمن المماليك فهو اللص، وأعتقد أن الشطارة في الفهلوة تجمع بين مفهومي الشاطر القديم منه والحديث، وإن كان حزب السبهلله هو الأوسع انتشاراً داخل مجتمعنا، كونه يضم في صفوفه العاطلين عن العمل، والتي تتمدد قوائمهم بالآلاف سنوياً من خريجي الجامعات، يضاف إليهم تفريغات 2005 الذين تنصب طاقاتهم في محاولة انتزاع حقهم، وبطبيعة الحال يضاف إلى ذلك الآلاف من العاملين الذين وجدوا أنفسهم بلا عمل وإن كانوا يتقاضون رواتبهم اول كل شهر. المهم أن هذا الجيش الكبير من أبناء شعبنا معظمهم من الجيل الشاب الذي عادة ما يشكل الأداة الرئيسية للانتاج في المجتمع.
والسبهلله لا تختص بالبطالة بمفهومها العام، بل تتعلق كذلك بالأعمال التي لا طائل منها، فلا تضيف لصاحبها شيئاً في رصيده الشخصي ولا تعود على المجتمع بالنفع والفائدة، لذلك السبهلله في سلوكنا تتعدى الجانب الفردي لتصل بمدلولاتها إلى العمل الجماعي، المهم أننا في خضم العيش فرادى وجماعات في هذا المناخ الغير صحي للمجتمع عادة ما نسقط الزمن من دائرة اهتمامنا، رغم أن الكون بتفاصيله المختلفة مرتبط بالوقت، وأن تقييم عمل ما لا يمكن أن يتم بمعزل عنه، وعلى صعيدنا الوطني قد يكون الوقت أكثر الأسلحة فتكاً بنا وبمشروعنا الوطني، وقد يكون من الملائم أن نسترجع حكاية الشيخ الألباني مع النجار والباب، حيث طلب الشيخ الألباني من النجار أن يغير له باب مكتبه بدلاً من أن يفتح يميناً يفتح شمالاً، فتعجب النجار من طلب الشيخ خاصة أنه لم يجد طائلا من ذلك، فأخذ الشيخ يشرح للنجار الغرض من ذلك، وما يمكن أن يوفر هذا العمل من وقت الشيخ.
قد نجد فيما ذهب اليه الشيخ الألباني شيئاً من صغائر الأمور المتعلقة بقيمة الوقت، لكن فيه ما يدفعنا للتساؤل كم من الوقت نحن بحاجة إليه كي نطوي صفحة الانقسام؟، وكم من الوقت نحن بحاجة إليه كي نصل إلى المصالحة؟، وكم نحتاج حتى نعالج تداعيات الانقسام على مجتمعنا؟، وكم من الوقت نحتاج كي نتفق على برنامج نخوض من خلاله صراعنا مع المحتل؟، اليس في المساحات الزمنية الطويلة التي استهلكناها دون أن نحقق شيئاً من ذلك ما يدفعنا للقول أن حياتنا فيها الكثير من السبهلله.
[email protected]