الوطن العربي الكبير حلم مازال يراود الكثير من العرب ، والحراك الثوري ضد السياسات الخاطئة لأنظمة الحكم بشكل عام، إن جوهر الثورة كحالة سياسية ثورية مرتبط ارتباطاً عضوياً بمعيار العقيدة القومية والدينية التي تؤمن يقيناً و فكراً بأن العدو الأوحد لهذه الأمة هو العدو الصهيوني.
وهنا نتحدث عن منطقتنا العربية وما رافقها من أحداث و ثورات ، فإن كل تمرد يفضي في نتائجه إلى تعطيل هذه العقيدة بصورة أو بأخرى، تنتفي عنه بالضرورة صفة الثورية وإن حقق أهدافه القطرية , هتف الثوار في العواصم العربية بالحرية والديمقراطية، ومكافحة الفساد وتطبيق الشفافية والحكومة الرشيدة، وتحرير الاقتصاد الوطني من التبعية، وتبني سياسات اقتصادية مولدة للدخل بدلا من الاقتصاديات الريعية، وتوفير فرص عمل للعاطلين عن العمل، وربط الأجور بمعدلات التضخم، وتوفير ضمانات صحية واجتماعيه وضمان حق التعليم للجميع.
تميزت هذه الثورات بظهور هتاف عربيّ أصبح شهيرًا في كل الدول العربية وهو : " الشعب يريد إسقاط النظام " ، و بالفعل أسقطت أنظمة كل من بن علي وحسني مبارك ومعمر القذافي ، و تم الاتفاق على تنحي علي عبد الله صالح، لم يخطر ببال أحد أن بلدانهم سوف تتحول إلى مسرح لصراعات عنيفة بين الأطياف السياسة في المجتمع، والاعتقاد السائد بأن المهمات الآنية موضع إجماع لدى القوى كافة ، التي عانت من النظم الديكتاتورية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وأن صناديق الاقتراع سوف تفرز قيادات جديدة تتولى طرح برامج وطنية ديمقراطية تتصدي للتحديات، لذلك جرى الترحيب بوصول قيادات عربية منتخبة لأول مرة في التاريخ العربي بغض النظر عن الخلفية الفكرية، وأن الاختلاف كان ينبغي أن ينحصر في الاجتهاد على كيفية تحقيق أهداف الثورة.
لكن سير الأحداث في الوطن العربي أخذ منحى آخر، وبدأت تتشكل تحالفات ومحاور جديدة سواء داخل القطر الواحد أو على المستوى الإقليمي ، فاتسعت الهوة بين التيار الاسلامي والاتجاهات القومية واليسارية، وأخذت الخلافات طابعا صدامي ، وبلا شك ان احتدام الصراع في سورية أسهم بتأجيج الأزمة ، فقد دخلت سورية في نفق مظلم ، ويعتبر الشعب السوري الخاسر الأكبر من الحرب الدائرة ، ومما اضطر حوالي 3 الى 4 مليون من الشعب الى اللجوء خارج الوطن بحثا عن مكان آمن، وسقوط آلاف الجرحى والقتلى، كما تعرضت البنية التحتية للاقتصاد السوري الى أضرار بالغة، وازدادت مخاطر التدخل الاجنبي في سورية بذريعة منع استخدام أسلحة كيميائية , وقد جاء في مصر قرارات الرئيس محمد مرسي الإعلان الدستوري ليثير غضبا شعبيا، واعتبر الاجراء استئثارا في السلطة ما أدى الى توحيد القوى القومية واليسارية والليبرالية كافة مع بعض القوى الإسلامية المعارضة للإجراء، وقبل هذا المشهد قرار احالة الدستور الى الاستفتاء في مناخ الأزمة ، ومن دون الوصول الى رؤية مشتركة حول الدستور ومن ثم سقط مرسي .
ودخل الصراع أبعادا خطيرة بانقسام الشارع بين مؤيد ومعارض ، إن لم يتغلب مبدأ الحوار والاعتراف بالآخر والوصول الى القواسم المشتركة، والتصدي للتحديات الاقتصادية والاجتماعية ومعالجة قضايا الفقر والبطالة , فهاذا يهدد مصر والسلم الأهلي للخطر, وقد رشحت معلومات عن قلق أردني من الاستقطابات والمحاور التي تشكلت في المنطقة , وما زال الشارع الأردني ملتهبا نتيجة قرار الحكومة برفع الأسعار والتراجع عن برنامج الاصلاح ومكافحة الفساد ، وقد نجحت القوى المعادية للديمقراطية بالتأثير على القرار السياسي ، وان ما يُجرى في كل من مصر وسوريا وليبيا وتونس واليمن والعراق يشكل حالة احباط ويسهم في اجهاض الثورة الديمقراطية في الوطن العربي، ويثير الرعب لدى المواطنين المخلصين بتحويل الخلافات السياسية المشروعة بين الاتجاهات الفكرية الى الاحتراب، يسيطر على الدول العربية من أجل أن تجهض الطموحات العربية .
فالأحداث الجارية في الوطن العربي حالياً قد تكون أمراً موضوعاً على الأجندة الدولية ، حيث بدأ البعض بربط الأحداث التي تجري الآن في الوطن العربي بخطة الصهاينة بالسيطرة على العالم العربي وتحقيق حلم العدو الصهيوني بإقامة دولة لهم في منطقة الشرق الأوسط تمتد من النيل إلى الفرات ، في خطة إعادة هيكلة دول الشرق الأوسط مرة أخرى ضمن مشروع عالمي يسمى الشرق الأوسط الجديد ، إن مشروع الشرق الأوسط الجديد – والذي تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقه بمساعدة الدول الغربية والعدو الصهيوني من خلال إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط مرة أخرى – يشكّل مشروعاّ مضاداً لمشروع وحدة الدول العربية ، حيث ستعمل الدول الغربية بلا أدنى شك على عرقلة هذا المشروع بكل الوسائل المتاحة , لأنه لا يعقل أن تقوم الدول العربية بإنشاء دولة عربية موحّدة في الوقت الذي تسير فيه الدول الغربية قدماً في مشروعها.
الزيت لا يمكن أن يمتزج في الماء ، وإذا ما أريد لمشروع الشرق الأوسط الجديد أن يصبح أمراً واقعاً ، فإنه سيكون بكل تأكيد على حساب مشروع الوطن العربي الكبير، إن ما يجعل مشروع الشرق الأوسط الجديد وشيكاً هو الوثائق التي تمّ كشفها في موقع ويكيليكس حول الحرب الأمريكية في العراق وأفغانستان ، وكذلك الوثائق التي كانت تخرج بين الحين والآخر حول الدول العربية التي تشهد ثورات حالياً ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ظهرت وثائق حول عائلة بن علي والفساد الذي انتشر في البلاد في الوقت الذي كان فيه الشعب التونسي يخرج بمظاهرات صاخبة ضد النظام ! وفي الثورة المصرية ظهرت وثائق أخرى تتحدّث عن أن الولايات المتحدة قامت بإعداد قيادي شاب للقيام بثورة تطيح بنظام حسني مبارك ، حيث حدّدت الوثائق موعد بدء الثورة والذي سيكون في عام 2011 تحديداً، ذلك عدا عن الوثائق التي أثبتت دعم الولايات المتحدة للرئيس حسني مبارك في العلن ! بينما كانت تقدّم دعمها للمعارضة المصرية في الخفاء.
إن جميع الأحداث والدلائل الآن توحي إلى تحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد والذي ظهر للجميع مع نهاية عقد التسعينيات من القرن الماضي فإنه يتطلب القيام بالعديد من الخطوات المهمة ، ولعل تغيير الأنظمة القائمة الآن في دول الشرق الأوسط إحدى أهم هذه الخطوات ، فالولايات المتحدة تريد حكومات شرق أوسطية ليبرالية ، معتدلة تخرج من قلب شعوبها ، وبالتالي فإنها ستضمن ولاء هذه القيادات الجديدة بعد دعمها في ثوراتها، ولعل هذا هو السبب الحقيقي في تناقض تصريحات القادة الأمريكيين أثناء الثورة المصرية والتي هدفت إلى تشتيت الرأي العام ، وقد لا ينطبق هذا الأمر على المجموعة الكبيرة من الشباب الذين خرجوا إلى الشوارع بشكل عفوي وبنية صادقة ، فلا يختلف إثنين على هذا الأمر، ولكنه قد ينطبق على قادة من المعارضة المصرية مثلا ، والتي بقيت على اتصال وثيق مع الولايات المتحدة طيلة الأربع سنوات الماضية وذلك لتحضير ثورة 2011، حتى أن الكثير بدأ بالتحدّث عن انطلاق الشرارة الأولى للثورة المصرية التي تحدّثت عنها الوثائق الأمريكية والتي عرضها موقع ويكيليكس خاصة وأن الوثائق لم تذكر إسم القيادي الشاب خوفاً على حياته كما جاءت في رسالة السفير الأمريكي في القاهرة عام 2008.
بقلم الكاتب جمال أيوب