يااااااا طروش..!!

بقلم: توفيق الحاج

صدفة.. وبينما كنت على السطح وحدي اقلب محطات الاذاعة في جوالي الصامت الوفي...لكي اقطع ظلمة مسائي الكئيب .. سمعت عمر عبد اللات وهو ينادي بصوته البدوي المجروح (يااااطروش...)... وفي رواية اخرى ياعياااال......!!

انصت الى الكلمات الموجعة ،والمغلفة بجر الربابة الأشد وجعا..،.فأجبرني على البكاء... أخذني صوته من خيالي ،ووضعني أمام قاضي العربان (فريج الفريج ) من عرب ( الغياث ) بين الاردن وسوريا.... هرم مسجى على فراش الموت ،وهو يوصي متخاصمين جاءا للاحتكام عنده أن يوصلا رسالة الى اكبر ابنائه (علي) الذي ذهب ،وإخوته للصيد ، وتركوه مع نسائهم (صفر العراقيب) اللائي تركنه بدورهن...!! وتشاء حكمة الله ان تصلنا هذه الرسالة المعبرة مغناة.. رسالة تراثية تقطر فجيعة على عقوق اولاده الذين رباهم، ورعاهم، واطعمهم لحم الريم ،ولم يهينهم بالمصاليب يوما .. لكنهم لما قصرت خطاه يوم طالت خطاهم عقوه ،وتركوه لمصيره المحتوم....!!

الاب في محنته يدعو على أولاده

وريت نساكم ما تحبل ،ولاتجيب.. ،وتقعد بطالة جالسات بلاكم...

وعسى قمركم لايطلع، ولا يغيب ..والشمس مطفية ،ويعتم سماكم

ابكاني بشدة ..المضمون ،واللحن ..ليس لأني أخشى ان يعقني أولادي لا سمح الله الذي اسأله الا يكلني لأحد سواه ..، وإنما لان العقوق بحد ذاته بشع ومفجع وانت تراه في بيت غير بيتك.. انه امر كريه يشعرك بغياب الامان وضياع القيم...وبذهاب اثر الآيات التي تحض على الإحسان للوالدين ، والبر بهما..!! في زمن يقول :وبالوالدين هجرانا...!!

لم يولد العقوق، والنكران في زمننا هذا ،وإنما ولد مع ولادة الخليفة.. ،وقصص التاريخ، وعلى الأخص قصص العرب تعج بهذه الصفة القبيحة.. ،وكنا نسمع في صغرنا عن فلان عق اباه ،وعن علان ضربه، وأهانه ،وكم سمعنا عن آباء اضطروا الى طلب حق الأبوة في المحاكم بعد ان عجزت وجوه الخير عن ذلك...!!

لكن اليوم اشعر ان العقوق أصبح كالخيانة وجهة نظر .. !! وشيئا مبررا /وممنطقا عند أبناء عمليين منشغلين بطموحات لانهاية لها .. أبناء من نسل الكمبيوتر ،ومن سلالة قص ،ولصق، وحذف..!! لاتعنيهم القيم في شيء ،وينظرون بترفع ،وتعال الى التراث والفلكلور .. حتى ان احدهم يهزأ من البصارة ،والخبيزة قائلا :ايش هالتخلف..؟!! وابن الصرمة لا يعلم انها كانت أكلات أجداده ،وابيه ،وامه طوال السنوات.!!

حتى ان بعضهم يكذب اباه فيما يروي من قصص المعاناه..، ويعتبره مجرد سرد لفيلم هندي قديم..!!

قبل الهجرة... كان الجد يملك الارض التي تحفظ له مهابته وكرامته حتى مماته...،فكان من النادر ان يعقه احد ..، وبعد الهجرة كان الاب يملك (كرت المؤن) ،فيأمر، وينهي، وينعم، ويحرم دون اعتراض من الأبناء..!! ولما هلت علينا اسرائيل ،وبدا زمن العابودا والليخم، والشمينت...!! اصبح الولد عاملا ، ومصدرا وحيدا للدخل. انتقلت المهابة ،والامر والنهي الى صاحب الشيكلات ، وابوك السقا مات ..!!

ارتفع صوت العقوق مجلجلا..انا ربكم الاعلى... ،وكم من مرة سمعت فيها ابنا يخاطب اباه على ملأ من الناس ...(اسكت ياختيار ..انت ايش فهمك..؟!! وكنت أرى دموع القهر تلمع في عيني اب ، واخاله ينادي كما عمر عبد اللات يا طرووووش... ولا حياة لمن تنادي..!!

لم نكن في زمننا انبياء .. اسأنا ،واحسنا .. اخطانا ،واصبنا... لكننا كنا نحرص على رضا الوالدين قدر ما نستطيع ...

اتذكر اني انصعت مقهورا لأمر والدي رحمه الله كما اسماعيل لأمر ابيه بعدم الالتحاق بمعهد المعلمين لولا امر الله ..!!

واتذكر ايضا اني اختلفت مع ابي عندما رفض ان نبدل بيتنا ببيت جديد في (حي الامل )بعد ان اقتنع بقول الشيخ( بعبوز) ان هذا خيانة وطنية..!!ومن مفارقات القدر ان الشيخ بعبوز سبق الجميع الى الخيانة.. بعد وفاة ابي.

اعتقد ىان لغربة الزمن دورها في استفحال ظاهرة العقوق ،كما ان للتربية دورها ايضا خاصة وان بعض الاجيال الجديدة تفهم الديمقراطية خطأ ،ولا تكاد تميز الخيط الرفيع بين الصراحة ،والوقاحة..!!

في بلاد عبدة البقر يعتبرون الاب، والام الهة تمشي على الارض ،وهما بمثابة عمود الخيمة ..!! وفي الغرب الجاف ،والقاسي بعض من الرحمة حيث يوضع كبار السن في دور لرعاية العجزة والمسنين.. اما هنا في بلاد القران ،والحديث ،والاسلام والمسلمين.. ترى عجبا، وتسمع عجبا .. فلا حكم يهدي ،ولا عظ يجدي.. ،وكيف يجدي وواعظ ما شاء الله على خطبه وبلاغته يضرب امه ،و أباه..!! ومن المضحك انهم يعقون جهارا نهارا ، وفي نفس الوقت يرون في دور الرعاية عيبا..

القلب يبكي ،ويعصر روحي الألم ......وااااه من امة ضحكت على حالها الامم..!!

 

اللهم يا مالك الملك .. لا تكلنا الى احد سواك

اللهم نسالك الهدي، والتقى..، وحسن الملتقى

اللهم نسالك العفو، والعافية، وخير الخاتمة