حينما يسقط الإعلام بقبضة "الطواغيت"!!

بقلم: محمد فايز الإفرنجي


إلى أن ينفد رصاصهم!مفسدة الحكم وفساد الوالي كشف حساب بأبرز التحديات الأمنية لـ(إسرائيل)
سلاح فتاك لا يقل خطرا عن أدوات القتل العسكرية التقليدية, يقتل يفتك كما الرصاص و القذائف و الصواريخ, لكنه يقتل دون أن تراق قطرة دم فهو يقتل الحقيقة بتلك العقول فتصيب خلايا الانتماء والوطنية, وتقضي على مصالح الأوطان وتجر هذه العقول خلف أوهام مشبعة بالتضليل والكذب والخداع.

فحينما يسقط الإعلام في قبضة الجبروت والطاغوت ويتم استخدامه وتوظيفه للنيل من خصومه في معركة "الباطل" ليدمر كل المصالح الوطنية والأمن القومي الداخلي للبلاد, لتسقط البلاد حينها في أيدي عصابة من المافيا تستخدم من هذا الإعلام منبرا لها لتفرض سياستها عبر الوسائل الحديثة من فضائيات ومواقع الكترونية وصحف يومية وما إلى ذلك.

نشاهد اليوم كيف يستخدم الإعلام في تضليل شعوب "الربيع العربي" في معركة الثورة والثورة المضادة وكيف أن الإعلام عبر سنة كاملة حشد العقول وشحنها وهيأها لقبول الثورة المضادة بل والاشتراك فيها لتعطي زخما قويا للطغاة في تبديل الحالة التي أنتجتها ثورات الربيع العربي من ديمقراطية حرة نزيهة لتستبدلها بطغيان وديكتاتورية وسرقة ما أنجزته الثورات العربية في ربيعها المشرق وتركيعها والسعي لتحويل مسارها لصالح أعداء الديمقراطية وعودة الأنظمة البائدة لسدة الحكم من جديد.

فضائيات عملت على مدار الساعة استخدمت كل المحظورات والممنوعات وتجاوزت كافة معايير الإعلام من أخلاق وشرف ومصداقية وتلاعبت بالعقول واستخدمتها كأداة من أدوات ثورتها المضادة لتهدم ديمقراطية أقرها الشعب بإرادته وأعطاها أصواته ومنحها الثقة للعمل على عودة ترسيخ سيادة القانون ومحاربة الفساد والنهوض بالبلاد من جديد بعد عقود من الظلام الدامس أعادت البلاد للوراء وجعلت منها مزرعة خاصة للحاكم وحاشيته.

من جهة أخرى الإعلام اليوم استخدمته بعض الجهات للتحريض وتحديدا "السلطة الفلسطينية برام الله" على القضية الفلسطينية وخلقت عداوة بين السلطات المصرية الحالية والشعب الفلسطيني وحكومته الشرعية بغزة, مما خلق حالة من شد الأعصاب والتوتر بين الطرفين والتهديدات المتواصلة من حكومة الانقلاب تجاه غزة وشعبها بعد ما أحكمت حصارها على القطاع حينما قامت بهدم ما يزيد عن ألف نفق كانت تستخدم شرايين حياة تمرر خلالها الغذاء والدواء لشعب محاصر منذ سبع سنوات!!

إعلام يزيف الحقائق ويستبدلها بصورة مغايرة لما هي عليه ليغسل عقول المواطنين في قناعاتهم ويبدلها لتتناسب ونهجه وسياسته سواء بالداخل أو مع الخارج الذي بات يرسخ له قواعد عداء وهمي لا أساس له من الصحة ليخلق واقعا جديدا يتناسب ومخططاته لرسم صورة جديدة على ارض الواقع ويشغل الشارع به ويحرف البوصلة.

الإعلام الذي يدخل عنوة لكل بيت جاعلاً من نفسه " أعور دجالاً " يقلب الحقائق ويرسخ الباطل في عقول الضعفاء فيخلق جبهة مناصرة له على قاعدة شعبية وإن كانت إلى حين, فقد جعل الإعلام من الديمقراطية التي أفرزتها إرادة الشعب في انتخابات نزيهة الديمقراطية الأولى في الوطن العربي, والأولى في عهد مصر جعلت منها كما "أصنام كفار قريش" التي كانت تصنع من التمر وحينما يجوع هؤلاء يأكلون أصنامهم وكذا فعلت سلطة الانقلاب التي ادعت حمايتها للديمقراطية والسعي لفرضها ونشرها في البلاد والتي سرعان ما انقلبت ضدها واستبدلتها بالديكتاتورية, ومهدت الطريق لعودة النظام السابق بشكل أسوأ وأشد ظلما وفسادا!!

في المقابل سعت هذه السلطات إلى إغلاق كافة القنوات الفضائية ووسائل الإعلام الأخرى المضادة لها ولسياستها, والتي كانت تنتهج سياسة تتمتع بالأخلاق والمصداقية في تغطيتها للأحداث من تحليل وتوضيح لما يدور على ارض الواقع من سلبيات وايجابيات, وجعلت من المواطن إنسانا نير العقل يستطيع أن يحدد مفاهيمه ويدرك مساق ثورته وديمقراطيته دون تضليل وخداع بشفافية ومصداقية واضحة المعالم.

فاليوم حرب إعلامية شرسة تقاتل في ساحات السياسة دون شفقة أو رحمة تستخدم في معركتها كل المحظورات والممنوعات, لتصنع من نفسها "مافيا إعلامية" تحتكر المنابر وتفرض هيمنتها على الفضاء الخاص بها لتوصل رسائلها لتشويش عقول المواطنين, وتدس السم في أفكاره وتستخدمه دون أن يدري أداة من أدوات انقلابها على الديمقراطية, بل استطاعت هذه السلطات أن تحصل في فترة ما على تفويض من قبل المضللين لقتل إخوانهم وأبناء شعبهم في سياسة جديدة غير معهودة تجعل من أبناء الوطن قسمين, قسمهم الإعلام وخيل لكل فريق بعدائه للآخر لينقل معركته إلى المواطن العادي ليتشارك معه في محاربة خصومه السياسيين في حرب لا أخلاقية راح ضحيتها الآلاف من القتلى وآلاف الجرحى ومثلهم من المعتقلين السياسيين.

إن الحروب الإعلامية ليست جديدة على ساحتنا, ولكن من غير المعهود أن تستخدم في نطاق الوطن لمحاربة نفسه وتقسيم أبناء الشعب الواحد لفريقين, وتقنع فريقا منهم بقتل الآخر واعتباره كائنا غريبا عن هذا الوطن في ظاهرة غريبة من نوعها أسالت من دماء المواطنين سيولا أكثر مما سالت من الأعداء نتيجة الحروب مع أعداء الوطن الحقيقيين, بهذا الحجم وبهذا البعد عن المهنية والأخلاقية وتبديل الحقائق لفرض أكاذيب وخداع لترسم صورة مغايرة تماما للواقع !!

هو الإعلام الذي بات وسيلة لإراقة الدماء عبر التحريض والتشويش, ووسيلة تستخدم اليوم لخلق عداء بين أبناء الشعب الواحد, وخلق أعداء وهميين لتدمير علاقة شعبين جمعتهما معايير الجوار والدين واللغة والتقاليد وأكثر من هذا, هو الإعلام الذي من المفترض أن يكون أداة لنشر الحقائق, وخلق أجيال موحدة بداخل القطر الواحد وأجيال موحدة مع الأقطار العربية المحيطة لتواجه الأعداء الحقيقيين, حينما قامت مافيا الإعلام بحرفه عن رسالته وتلاعبت في بوصلته, فهل سنبقى أسرى وضحايا للإعلام الكاذب أم ستستطيع العقول العربية تجاوز هذا السلاح والقدرة على ردعه؟!!.