من منا لا يحب العيد ولا ينتظر قدومه ومن الذي لا يرغب في المشاركة في طقوسه وبرامجه المزدحمة الحافلة بكل ما هو طيب وممتع وجميل، للعيد حياة غير الحياة، الحركة والصخب والعمل المتنوع والنشاط المتجدد، يتهيأ الناس للعيد قبل أيام من وصوله ذاك بما يستحقه الزائر من استقبال حافل وما يليق به من تكريم وتقدير وبسبب ما يكنه الناس في نفوسهم للعيد من مكانة واحترام، ولكن تبقى مأساة الشعب الفلسطيني تتصدر الحدث في كل عيد .
ها هو عيد الأضحى المبارك يدق على فلسطين الأبواب ومشهد في الذاكرة لا يغيب عن الأذهان ، أطفال في عمر الورود ورجال ونساء هربوا من مرارة العيش والجوع والحرمان والقصف وظروف الحرب والاقتتال الداخلي في سوريا ، فكان لهم الموت في عرض البحر ، هذا المشهد القاسي من المشاعر والأحاسيس يبقي الانسان الفلسطيني بحالة الخوف والهلع من المستقبل المجهول .
كما يتعرض الفلسطيني للقتل الممنهج من الاحتلال الصهيوني على ارضه, ما بين قتل وتشريد، وما يتعرض له ابناء مخيمات سوريا الآن من قتل على ايدي مجموعات مسلحة تحصد بأرواحهم، الطفل والشاب والرجل والمرأة الواحد تلو الأخر ،فهاهم يستقبلون العيد, وكأنه شبحا جديد يذكرهم بمعاناتهم وآلامهم, فمنهم من يرى كيف يقتل ومنهم من يرى رحلة النزوح والهجرة تذهب بهم إلى الهاوية، ومنهم من يرى أن العيد سيكون أثقل ضيفا دق الباب على بيتهم الخاوي من أي مظهر للحياة, وذلك نتيجة للأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعصف بالفلسطينيين بشكل عام .
ما بين الخوف واليأس, تتناثر الأفكار وتتبدد الأحلام ، ويبقى الخوف من المجهول سيد الموقف، أطلقت لنفسي العنان ، حيث لم ارى بعيون اطفال فلسطين من مخيمات سوريا العيد بأعينهم, فرأيت ما لم أكن أتوقعه, فكان الموقف كما انه يدا خفية تتهيأ لتصفية حق العودة.
عيد الأضحى عند الشعب الفلسطيني يختلف عنه في بقية دول العالم مع أن العيد هو العيد بإدخال الفرحة على قلوب ملايين المسلمين. مع تواصل المعاناة في العيد لأكثر من 12 مليون فلسطيني في الضفة والقدس وغزة والأراضي المحتلة عام 48 وملايين اللاجئين الفلسطينيين في الشتات؛ أصبح كل فلسطيني مقهور ومكلوم والعالم من حوله يتجاهل معاناته وكأنه من عالم آخر.
عيد الأضحى يتميز في هذا العام بتزايد الأخبار ، فالعدو يتربص بالشعب الفلسطيني والامة العربية شر من خلال ما يسمى بالمفاوضات التي تجلب الكوارث ، ومعاناة الأسرى في سجون الاحتلال تزداد ومعهم عائلاتهم لم يتذوقوا طعم الفرحة والسعادة في هذا العيد، وبات له طعم آخر غير الفرحة والسعادة. من بين الأسرى توجد أسيرات فلسطينيات لم يذقن طعم الحرية ولا طعم العيد مع سجان لا يعرف الرحمة، وعرب بلا نخوة المعتصم، وأصبحن منسيات وسط غابة من الوحوش الآدمية.
تتفاقم المعاناة لمختلف قطاعات الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجدهم ولجوئهم قبل وبعد العيد، ولكنها في العيد أشد، كونه يفتقد الفرحة والبهجة كبقية دول العالم. في الضفة الغربية حواجز تذل وتحط من كرامة كل فلسطيني في العيد، عدا عن الاستيطان والجدار والاقتحامات والاعتقالات اليومية.
في غزة حصار وخنق وقتل نتيجة الانقسام ومليون ونصف إنسان محاصر بلا ذنب سوى من حبهم وتشبثهم بأرضهم وحقهم في العيش بكرامة كبقية شعوب الأرض. في الأراضي المحتلة عام 48 يحارب الإنسان الفلسطيني في هويته ووجوده المستحق منذ فجر التاريخ. وفي القدس تهويد ومصادرة أراضي ومحاولات لهدم المسجد الأقصى عبر بناء الإنفاق.
رسم صورة قاتمة حول العيد وعدم وجود بارقة أمل قد يكون مبالغا فيه في نظر البعض مع تزايد الأصوات الداعية للوحدة الوطنية.
ثبت للجميع عدم صوابية وضع جميع البيضات في سلة واحدة. المفاوضات طيلة 20 عاما أوصلت إلى جدار عنصري وحواجز وعزل القدس عن حضنها الطبيعي، واستيطان متوحش لا يعرف التوقف عن نهم وسلب المزيد من الأراضي الفلسطينية. بالمقابل فان الدخول من أبواب متفرقة يصعب على الاحتلال مهمته في احتلال مريح ومربح له، ويوصل لنتيجة مفادها: إن تنوع الوسائل وتناسبها مع كل مرحلة يعجل في كنس الاحتلال حيث ما عاد الزمن يعمل لصالحه في ظل تغييرات دولية وشيكة.
عيد الأضحى، ومع زيارة قبور الشهداء، وكون آلاف من الشهداء هم تحت الثرى، يتم تذكرهم وسط الدموع والذكريات الحزينة والأليمة، فهم من قدموا أرواحهم رخيصة فداء لفلسطين والعيش بكرامة لمن بعدهم .
هكذا هو الحال في فلسطين في كلّ بيت مأساة و في كلّ زاوية كارثة أو مصيبة ، هذا ما فعله الأشرار من الصهاينة الذين اقتلعوا الشعب الفلسطيني من وطنه بقوة السلاح ، مما ادى تشريد الملايين من أهلنا أصحاب الأرض الشرعيين من وطنهم ليعيشوا المرارة و الحرمان على مدى ما يزيد عن ستة و خمسين عاماً .
كلّ التحية و التقدير للشعب الفلسطيني المرابط على ثرى ارض فلسطين ومقدساتها الاسلامية والمسيحية وفي اماكن اللجوء والشتات والمنافي ، و كل التحية لأرواح الشهداء ، و للمعتقلين والاسرى البواسل ، و للمصابين الصابرين على الجراح .
كاتب سياسي