الجيل الفلسطيني الحديث يتجه نحو تحديد الإنجاب

في حين  يدعو الدين الإسلامي إلى كثرة الإنجاب وتحريم تحديد النسل، يتجه الجيل الفلسطيني الحديث نحو تحديد الإنجاب بما يخالف ما سار عليه الآباء والأجداد الذين كانوا يتنافسون على العزوة الكبيرة وكثرة الإنجاب.

ويعد المجتمع الفلسطيني من أكثر المجتمعات العربية محافظةً على العادات والتقاليد، وأكثرها التزاماً  بتعاليم الدين الإسلامي. وكانت دعوات علماء الدين إلى عدم الحد من الإنجاب تلقى صدىً واسعاً وتأييداً بين أوساط  الرجال والنساء، مرجعين السبب بذلك إلى السعي نحو كسب تفوق ديموغرافي على أرض فلسطين   في إطار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي القائم.

ولكن ثمة أسباب تجعل الجيل الحديث الذي يعيش في ظل أزمات اقتصادية وسياسية متلاحقة  يصرف النظر عن كثرة  الإنجاب . ووفقاً للخبير الاجتماعي أسعد كحيل، نجد من بين هذه الأسباب ما يتعلق بزيادة الوعي، وانخفاض فرص توفير الأمان الوظيفي والمعيشي وسبل الحياة الكريمة..

وقال كحيل خلال حديثه لموقع "المونيتور": "لم تعد الحياة تشبه حياة آبائنا وأجدادنا، ولم تعد دوافع كثرة الإنجاب متوفرة بل على العكس تماما،ً يسعى  الجيل الحديث إلى  تحديد الإنجاب بسبب الصعوبات الحياتية التي تزداد قسوة مع مرور الزمن".

يقول الشاب إياد أبو الروس(28 عاماً) الذي تزوج قبل 4 أعوام تقريباًإن الله رزقه بطفلين اثنين وينوي إنجاب ثالث ومن ثم لن يفكر في إنجاب المزيد من أجل اعتبارات حياتية عديدة تضمن تحقيق  حياة مستقبلية سعيدة لأطفاله.

وأضاف أبو الروس الذي يسكن بيتاً مستأجراً في خلال حديثه للموقع: "والدي أنجبني و8 آخرين من أشقائي، وأنجب جدّي عدداً مماثلاً ، ولكن تختلف الأسباب والاعتبارات التي تدفع إلى كثرة الإنجاب من جيل إلى جيل، فقديماً كان جدي مزارعاً ولديه أرض واسعة وأراد إنجاب الكثير من أجل الحصول على مساعدة في العمل، ولم يكن يقلق على مستقبلهم أو مصاريف تعليمهم لأنهم سيعملون بالنهاية في زراعة أرضه وحرثها وسيسكنون عليها".

وأوضح الشاب الذي يعمل موظفاً حكومياً أن النظرة الآن اختلفت، وبات الجيل الجديد يفكر كثيراً في مستقبل الجيل القادم، خاصة في ظل ارتفاع  الكثافة السكانية وتفاقم  الفقر والبطالة وندرة فرص عمل وازدياد أعداد الخريجين الجامعيين وارتفاع تكاليف الحياة المعيشية".

ويعقّب كحيل على ذلك بالقول: " يضع الجيل الجديد في عين الاعتبار عند الإنجاب وقائع اقتصادية وثقافية واجتماعية ، لذلك كثر أنصار  فكرة تحديد النسل  مقارنةً بالماضي".

وأضاف الخبير الاجتماعي: "يعدّ ازدياد معدلات الفقر والبطالة عبئاً يؤرق الجيل الحديث الذي يسعى إلى توفير حياة كريمة لأطفاله وإبعادهم عن مخاطر التسول في المستقبل، خاصّة في ظل تزايد أعداد الخريجين الجامعيين الذين ما زالوا يبحثون عن فرصة عمل".

وبحسب بيانات نشرتها وزارة العمل في غزّة مؤخّراً، يوجد في قطاع غزة البالغ عدد سكانه نحو 1.8 مليون نسمة، نحو 120 ألف حامل شهادة جامعية من دون عمل، ويعجز سوق العمل في القطاع عن استيعابهم..

إضافةً إلى ذلك،  ارتفعت معدّلات البطالة في الأراضي الفلسطينية بنسبة 3.15٪ بين عامي 2011 و2012، ليصل المعدل إلى 23٪. ويزداد الوضع سوءاً في قطاع غزة، حيث يصل  معدل البطالة بحسب منظمة العمل الدولية (ILO)  إلى 31٪ "..

ولفت كحيل النظر إلى أنّه وعلى الرغم من تعارض هذه النظرة الحديثة للإنجاب مع دعوات علماء الدين الذين يدفعون الناس نحو إنجاب المزيد من الأبناء، إلا أن الكثير من الشبان يخشون من عدم القدرة على توفير متطلبات الحياة المعيشية الكريمة لأبنائهم، الأمر الذي  قد يجعلهم عرضه للتسوّل في المستقبل.

وبيّن أنه كلما وصل المواطن الفلسطيني إلى درجة متقدمة من الوعى والتفكير، سينخفض  معدل الإنجاب سعياً إلى الحصول على تربية وتعليم مناسبين ، وتحسين  فرص الأولاد  في الحياة .

اتفقت مشيرة الخواجا، مديرة جمعية الأمل لتنمية الأسرة، ، مع كحيل في حديثه قائلةً: "كانت الأجيال الماضية  تحب الإكثار من الإنجاب بغض النظر عن الظروف المحيطة، ولكن أجيال اليوم تسعى نحو تنظيم النسل وربما الانقطاع عنه بعد إنجاب أربعة وربما خمسة أولاد ".

وأوضحت الخواجا في خلال حديثها لـ"المونيتور" أن مساعي الجيل الحديث للحد من الإنجاب غير مرتبطة بخضوع  المرأة لعمليات جراحية  بغية تحديد النسل ومنعه نهائياً، وإنما تقف أمام عملية تنظيمية تسير على قاعدة معيّنة يضعها الزوجان في بداية حياتهما الزوجية، وقد تكسر هذه القاعدة في حال أصبحت ظروفهما المادية والأوضاع الاقتصادية المحيطة أفضل.

تعبّر نظرة الشاب "أبو الروس"  عن حالة مجتمعية آخذه بالازدياد، تعكسها  نتائج مسح الأسرة الفلسطينية عام 2010 التي أظهرت انخفاض في معدّل الولادات  على  الأراضي الفلسطينية بشكل مستمر،  و انخفاضاً في معدل الخصوبة الكلّية في فلسطين، حيث بلغ 4.4 طفلاً لكلّ أمّ  في الفترة الممتدّة بين عاميّ 2008و2009 مقابل 6.0 طفل لكلّ أمّ  في  عام 1997، وبلغ هذا المعدل في قطاع غزة 5.2 طفلاً لكلّ أمّ بين عاميّ 2008 و2009 مقابل  6.9 طفلاً في عام 1997.

كما تشير الإسقاطات السكانية إلى أن معدل الولادات  الخام في فلسطين سينخفض من 32.6 مولوداً لكل ألف من السكان في عام 2013 إلى 31.9 مولوداً في عام 2015.

وبحسب  الإحصائية ذاتها، تظهر  بيانات عام 2012،  إلى  انخفاض طرأ على  متوّسط حجم الأسرة في فلسطين مقارنة بعام 1997، حيث انخفض إلى 5.5 أفراد في عام 2012، مقارنة بـ  6.4 أفراد عام 1997.

وتعدّ  الكثافة السّكانية في فلسطين مرتفعة بشكل عام وفي قطاع غزة بشكل خاص، فوفقاً للإحصاء المركزي الفلسطيني، بلغت الكثافة السكانية في عام 2013 نحو 734 فرداً /كم2 في فلسطين، بواقع 481  فرداً /كم2 في الضفة الغربية، مقابل 4,661 فرداً /كم2 في قطاع غزة.

 

بقلم: رشا أبو جلال ، المونيتور ، نبض فلسطين

المصدر: غزة – وكالة قدس نت للأنباء -