ماذا يقول الفلسطيني التائه مرات ومرات بلا وطن يأويه أيام العيد هل يحقّ له الفرح وتبادل التهاني وتناول الحلوى أو اصطحاب أطفاله بملابس العيد المزركشة الألوان إلى مدن الملاهي مثله مثل باقي الشعوب المحتفلة بهذه المناسبة الدينية الجليلة وسط زحام الموت القادم من الإتجاهات الأربع ؟ هل يتمكن الأسرى فضلاً عن المفقودين والمهجّرين إلى بلاد الله الواسعة من رؤية عوائلهم ومعانقة أطفالهم لتعويضهم عن الحرمان لبضع ساعات كما كفلته القوانين الدولية والشرائع الإنسانية ؟ حين يبلغ الجنون مداه اللامتناهي فلا مكان أو زمان يتّسع لشظايا الغضب الممزوج بحالة العجزالتي تدمي القلوب ولا جرحٍ نازفٍ يلتئم مع مرور الأيام إن لم يجد العلاج الشافي البعيد عن متناول الأيدي بحكم غياب الإرادات المرهونة لأشياء أخرى، ولا حضنٍ دافيءٍ من ذوي القربى يخفف ألام الوجع المزمن منذ ثلثي قرن بالرغم من فائض الموارد الطبيعية التي تجبى عوائدها هدراً لألات القتل والدمار أو صالات القمار، كأنما شرور الدنيا كلها اجتمعت كي تصبّ جام غضبها المكبوت دفعةً واحدة ، حمماً تلاحق الضحايا الهاربين من جحيم الحقد الأسود خلال رحلة التيه الإجبارية غير المحسوبة العواقب تكون نتائجها المحتومة فاجعةً تلو أخرى دون أن تحرّك لهم ساكناً ، إنهم يجعلون البراءة فريسة سهلة أمام طقوس مصاصي دماء المنكوبين وتقديمهم قرابين مجانية لألهة البحار ، لامفاضلة بين أشكال الموت نحراً على أيدي أحفاد ابن العلقمي أو غـرقاً أوجوعاً نتيجة الحصار ، أوأسراً في أقفاص الظلام الموصومة برسم العدالة الدولية ولجان حقوق الإنسان الغائبة عن أبسط الأبجديات الإنسانية ، أو لهواً على سبيل التسلية بين صراعات الخارجين عن القوانين اتباع أحلاف الغزاة الملتحين باسم الربيع العربي وحرية الشعوب كونها تفي بالغرض المطلوب .
ثمة جوقـةً متعددة الأطراف يقودها المايسترو المخضرم تعزف لحناً هجيناً على مزاميرالموت البطيء ترنو لطمس معالم جريمة التطهير العرقي وطرد شعبٍ أصيل من دياره إلى مخيمات اللجوء التي يشكّل بقاءها عقبة كأداء بوجه التوّطين البديل ، بانتهاء ذلك يكتمل الإستعداد لرفع الأنخاب "الهرتزلية" على أنقاض شتات الغنيمة الشرق أوسطية المريضة حيث صنعوها وقسّموها ثم نصبّوا أصناماً عليها لاحول لهم ولا قوّة تدار بأجهزة التحكم عن بعد إذ اختزلوا كل شيء لأجل أساطير شـذّاذ الأفاق القادمين من كل فجٍّ عميق لضمان سلامة أمنهم وتفوقهم الإستراتيجي ، على حساب مقومات كبريائنا وتضحياتنا الجسام وثقافتنا التي أثرت البشرية العلوم وأول الحروف وغيرتنا الوطنية والقومية المتأصلة عمقها عمق الأزل ، لا يستوي الهتاف في غير موضعه لوهم السلام المزعوم المغمّس بدم الأطفال في أعالي البحار وجرائم القتل الممنهج داخل مخيمات الإنتظارالطويل والمدن المستباحة أمام المحتلـّين وانتهاك المقدسات على أيدي الطغاة مع قتامة المشهد المأساوي المربك ، كما لا زال يصعب الفهم أيضاً جدوى تمجـيد الإنقسام حتى لوكان على كومة خراب ، لهذا حقّ الأغلبية الصامتة أن يتمردّوا يوجهّوا أصابع الإتهام نحو الشركاء عمداً أوجهلاً بالجريمة المستمرّة التي جعلت ربوعنا من غير سياج ولا رقيب ، ميادين تجارب وتصفية حسابات إقليمية ودولية في ظل التهليل والتكبير لمن يلبسون عباءة الرجولة المفقودة منذ أمدٍ طويل أو الحالمون بإحياء رميم الأمبراطوريات المندثرة لقاء حفنة مكتسبات زائلةً لاتعيد حقاً مسلوباً أو تبني أوطاناً على أسسٍ متينة .
لايريد هذا الشعب صانع الأنتفاضات رغيف خبزٍمحقون بعقاقير المسكنات المهدئة منّةً من الدول المانحة مقابل أن يتخلى عن حقّه بالعودة إلى أرضه طواعية أو بالإكراه ، فلا محيطات العالم ولا بحارها ولا طغيان القوة الغاشمة قادرة على وأد الحلم المشروع الذي تناقلته الأجيال جيلا بعد جيل وهم أكثر تمسكاً وإصراراً على تحقيق الهدف ، دم أهلنا النازف وجرحه المفتوح سينتصر على سيوفهم طال الزمن أم قصر ........ عيدكم مبارك !!!
كاتب سياسي