أعيادنا بين جمال التراث وتبدل القيم

بقلم: ناصر إسماعيل اليافاوي

نحن نعيش في مرحلة – للأسف- تبدلت بها القيم الاجتماعية وعلت القيم المادية والتفكك ، وجاء الانقسام ليعزز هذا التبدل ، واختلطت الأمور ، وتناسينا ثراثنا العريق ، وسادت ثقافة الحزبية التي طمست كل ما هو جميل
ومقالي اليوم عن إحدى مظاهر تبدل القيم ، والتي لامسناها في أعيادنا وما طرأ عليها من غزو مادي ومعنى أصابها في الصميم
للعيد قديما في مجتمعنا كان له رمزية معينة ، والرمزية هي أسس ثابتة في حياتنا ونذهب بها باتجاه الماضي الجميل، ونخوض في الذاكرة لاستخراج عبق مظاهر وعادات وتقاليد فرحة ،وممارسات أعياد الفطر الصغير والأضحى الكبير ..
في المجتمع الفلسطيني صاحب التراث العميق الذي تتشابه فيه الكثير من الممارسات آخذين بعين الاعتبار الخصوصيات لكل مدينة وقرية وبادية ، حيث تختلف مظاهر العيد والعادات والتقاليد المتبعة فيه باختلاف الناس والمجتمع والمكان الذي يعيشون فيه سواء كان في المدن أو القرى او البادية .


لقد كان لدينا تراث له جذور يعكس البعد الحضاري للفلسطينيين ، بتنا نشعر أنها بدأت تتراجع للأسف ؟!
ولأعيادنا قديما كانت طقوس خاصة حتى في الأكلات الشعبية الخاصة بكل عيد، فأيام رمضان لها طعم خاص عند أهل فلسطين واكلاته وحلوياته ،
وكذلك أيام أعياده العامة والخاصة، فالعامة يحتفل بها الجميع (عيد الفطر وعيد الأضحى وأعياد الميلاد ورأس السنة الهجرية أو يوم الإسراء ويوم مولد النبي )، أيام خلت كانت المساجد تتلألأ بأنوارها ، والموائد تفرش على أبوابها لإطعام الغريب والفقير،
هذه المظاهر بدأت تتناسى بل وتتلاشى لدى الكثيرين ، وأخشى أن تندثر مستقبلا بسبب هذا الوضع المضطرب الذي نعيشه ، وانقطاع الكهرباء وقلة المياه والحزن المخيم على الكثيرين ..

طقوس فلسطينية بتنا نشتاق إليها
في الأيام الثلاث الأخيرة من شهر رمضان واستعداداً لاستقبال العيد في فلسطين كان :
في صباح العيد الباكر
كان الكثير من الرجال والأولاد يخرجون لأداء صلاة العيد ويحضرون معهم أعواد من جريد النخل لزيارة المقابر لقراءة الفاتحة على شهدائهم وموتاهم، بعدها يتهنى الجميع بألذ إفطار للعائلة بعد مراسيم التهنئة، النساء يبدأن في تجهيز طعام العيد والتفنن في إعداده ، والأطفال والأولاد يريدون إنهاء الفطور بالسرعة لكي يلبسوا ملابسهم الجديدة ، وينتظروا آبائهم الذين يدخلون إلى قلوب الأولاد السرور بإعطائهم العيدية وتراهم فرحين بتقديمها، ويبقى الأطفال هم الرابحون، وكذلك النساء والبنات يتزين ويتجملن وهن بدورهم بانتظار العيدية ..

ومما كنت ألاحظه منذ طفولتي انه حين إعلان بشرى العيد كانت المحلات والمقاهي في غزة تصدح بأغنية أ أم كلثوم( يا ليلة العيد) أو أغنية الفنان ناظم الغزالي أي شيء في العيد أهدي إليك ..

موسم للخياطين : يتزاحم الرجال والنساء على محلات الأقمشة ، لشراء كسوة العيد ، ويحجزوا أدوار عند الخياطين ، الذين كان لهم شيخ ، ينظم أعمالهم ، وكانت الأعياد موسم لربحهم السنوي ، واليوم تبدل الحال وبدلت تلك المظاهر بالبضاعة الصينية أو التركية، وأغلق العديد من الخياطين محلاتهم ..

موسم الدباغين والإسكافية : كذلك الأمر كان في قسم صناع وتجار الأحذية والتباهي بأنواعها وجلودها وألوانها ولمعانها في مواسم العيد ، والطبقة المتوسطة كانت تقوم بصباغة ودبغ جلودهم وأحزمتهم رغبة في تجديدها ،أو تجديد مفروشات وأثاث منازلهم العتيقة ، وهذه الظاهرة أصبحت في طي النسيان ، بل وضاعت الحرفة واندثرت طبقة اقتصادية كانت مصدر رزق للعديد من العائلات ..


موسم الحلوانية والبقالة والجزارة : أما الجزء الآخر فكان لمحال الحلويات والمستلزمات الغذائية ، وطواف الناس في الأسواق الشعبية لشراء مستلزمات الأغذية الخاصة الغنية بالألبان واللحوم ، وتقديمها للضيف العزيز بأصناف وأشكال مختلفة ..
موسم الحلاقة والتزيين : والرجال والأولاد يزورون محلات الحلاقة لقص وتهذيب الشعر ،حيث تبقى محلات الحلاقة مفتوحة طوال اليوم والى ساعات متأخرة، وليلة العيد إلى الصباح ولآخر زبون.
موسم الحمامات العامة ( حمام السمرة نموذجا) :
من الامور التى كانت تجلب البهجة وتشعر الناس بطقوس العيد هواقبال الناس على الحمامات العامة الساخنة ، وجلوسهم في صحن الحمام وسماع بعض من الأهازيج الشعبية والمواويل المتعلقة بأعيادنا

حمى النظافة والترتيب وزينة البيوت والشوارع ومداخلها : أما النساء والبنات فيستعرضن تفننهم بنظافة البيت وترتيبه، وتزينه برسومات ودهانات فلسطينية خاصة ، عدا عن إنارة الشوارع بفوانيس لها طقوس والوات تجلب الفرحة والسعادة للنفوس ، وقسم آخر يقمن بصنع أصناف معينة من الكعك والمعمول بكافة أنواع الحشوات من الجوز والسمسم والتمر والسكر والاجبان ، وهذه العادات والتقاليد لا تختلف في كافة الاراضى الفلسطينية ..

موسم المراجيح أما المراجيح ودولاب الهواء والزحليقة والفرارات، فتنصب في الساحات طيلة أيام العيد وفي الأماكن الأكثر شعبية ، وتحت شعار الحاجة أم الاختراع كان الفلسطينيين وخاصة في القرى والمخيمات يصنعون مراجيحهم بطريقة تقليدية من الخشب والعصي وكراسيهم كانت لا تتجاوز القش أو جريد النخل ..

تأسيسا لم سطرت ، بصراحة شعرنا بتخوف حيث لاحظنا أن هذه معظم العادات والتقاليد المتوارثة بدأ يصيبها خطر الانقراض في ظل العولمة وانتشار المفاهيم المادية الميكانيكية وسيطرة الثقافة الحزبية ، وتغير طباع الناس حسب مستجدات التغيير المستوردة من عتبات إقليمية ودولية غريبة عن طباعنا ..
لذا أهيب بوزارة الثقافة والتعليم أن تكرس اهتمامها على إعادة إحياء عادتنا المستحبة لان أمة بلا تراث هى امة بلا حاضر وأمة بلا حاضر هي امة بلا مستقبل ..د ناصر إسماعيل اليافاوي –مبادرة المثقفين العرب
.