بينما كان يسير بأحد الشوارع المكتظة بالناس قبيل الغروب،أطلق العنان لبصره ليجوب ويتفحص كل شيء حوله ،فكل ما يحيط به يخضع عنده للتدقيق ، وما هي إلا دقائق معدودة ،وإلا أنه نظر إليها ..صحيح أنه لم يرى ملامح وجهها بل رآها من الخلف حيث كان يسير فتحركت في حناياه غريزة حيوانية شهوانية فشرد بخياله الملتهب ،والمتأجج كألسنة النيران التي تقذفها فوهات البراكين ..وهنا قد التقت عنده قوتان كما يقول أهل الفيزياء أو الرياضيات ..قوة البصر أي بصره ، وقوة الشيطان الذي همه ،وشاغله الوحيد هو غواية بني آدم وضلالتهم بعيدا عن الصواب ، وعندها قد انجرف وراءها بقوة فائقة كشلالات ديتيفوس في جزيرة أيسلندا .. أو شلالات نياجرا بأمريكا الشمالية كم انبهر بقوامها الممشوق ،وملابسها الضيقة التي تفصل ثنايا جسدها البارز بكل تضاريسه وهضابه ،و بكل وضوح ،وابتزاز ..وكم جذبته مشيتها الرقيقة الناعمة ، فكانت تمشي بكل دلال ،كالغزال عندما يبختر بكل زهو ، وسط الكلأ ،وفي المكان المحيط سُمع صوت الآذان ..أصابته قشعريرة ،ورجفة قوية هزت كيانه ، حاول أن يغض البصر عنها لكنه لم يستطع ،وسوس له الشيطان أن عليه مواصلة الدرب واللحاق بها فقد تكون بالنسبة له فريسة نادرة أو صيد ثمين ..هكذا قد حرك الشيطان غرائزه الشيطانية ، وهكذا يزين الشيطان الغواية لبني البشر ضعاف النفوس ،والذين لا يخافون مراقبة الله لهم .. المهم أنه استسلم لحبائل الشيطان بكل خنوع ،ودون أدنى مقاومة ..ولما أحس أنها باتت تبتعد عن أنظاره ..أسرع الخطى ليلحق بها ، وما هي إلا لحظات معدودة وإلا أنه كان على بعد أمتار قليلة منها .. حاول أن يدنو منها أكثر وأكثر رغم حراك الناس الزائد ورغم الزحام ..حاول أن يغازلها ،أو أن يجعلها تلتفت إليه ..وقبل أن يتفوه بكلمة عشق كما الصبية المراهقين ..تعالت شهقات أنفاسه الهائجة ، ونبضات قلبه فغدت كهديرِ الموج بل كفحيح ِ الأفعى فلم يتمكن من النطق بأي لفظ ،حاول أن يستجمع قواه فاقترب أكثر محاولا بكل وقاحة الالتصاق بها ،وفجأة سقطت منها حقيبتها على الأرض ،فانتهزها فرصة ملائمة له أسرع ومد يده ليمسك الحقيبة ،وما أن ناولها إياها دون أن يجرؤ على رؤيتها ،وإلا وسمع صوت قريب منه جدا ليس ببعيد عنه حيث قالت له بصوت خافت : أشكرك يازوجي الحبيب ..وحينها سقط مغشيا عليه فلم يتحمل ،هول الفاجعة !!