الحدث الفلسطيني يبقى في الصدارة

بقلم: عباس الجمعة


مهما حاولنا ان نكتب ونحلل يبقى الحدث الفلسطيني في صدارة الاحداث ، فالشعب الفلسطيني الذي يعاني من الاحتلال ومن مرارة اللجوء في ظل عالم بعيد عن انصاف الحق لاعطاء القضية الفلسطينية حقها ولاعطاء الشعب الذي عانى الظلم والقهر على مدار خمسة وستون عاما حقه ، فبقيت قرارات الشرعية الدولية في ادراج الامم ، فهل كل هذه التضحيات من الخسائر والالام لا تستوجب اجراء مراجعة عميقة و جادة لمسار السياسة الفلسطينية على كل المستويات الداخلية و الخارجية.
لا شك ان الانقسام لم يعد حقيقة خافية على احد حيث اضر بقضيتنا اضرارا جمة و الحق الاذى بشعبنا و صورته لدى الاطراف الصديقة قريبة كانت ام بعيدة و قدم خدمة مجانية وعلى طبق من ذهب للكيان الاحتلال العنصري الذي فشل على مدار قرن من تفتيت وحدة الشعب الفلسطيني ولعب ورقة الخلافات الداخلية لكن النظرة القاصرة الفصائلية ولاول مرة حققت لهم هذا المراد فلمصلحة من يبقى الانقسام و تداعياته جاثما على صدر الشعب الفلسطيني.
من هنا يجب ان يدرك الجميع على المستوى الفلسطيني والعربي أن كيان الاحتلال لا يستجيب سوى إلى لغة القوة، ولقد ثبتت دقة هذا المفهوم فلولا نضال الثورة الفلسطينية المسلحة لما اعترفت بالوجود الفلسطيني , ولولا المقاومة الوطنية اللبنانية لما انسحبت من الأراضي اللبنانية في عام 2000، وصمود هذه المقاومة لأعادت احتلال الجنوب اللبناني بكامله في عدوان 2006، ولولا صمود المقاومة الفلسطينية وامتلاكها كل القدرات العسكرية لما انسحبت من قطاع غزة.
واليوم تستغل حكومة الاحتلال الواقع العربي والتهرب العربي من القضية الفلسطينية لتواصل سياستها العنصرية بحق الشجر والحجر والبشر والمقدسات في الضفة الفلسطينية ومحاولة السيطرة على ساحة المسجد الاقصى من خلال غارات يومية يشنها مئات من المستوطنين على الحرم القدسي الشريف ليدنسوه بأقدامهم ويمارسون طقوسهم الدينية داخل الحرم ويمارسون طقوسهم الاجتماعية ،حيث لا يوجد معيقات تهدد عرقلة تنفيذ المشروع الصهيوني أي أن التقسيم قادم لا محالة. والتهديدات المتواصلة لقطاع غزة ، بينما يستمر قادة الاحتلال بالتمسك بارائهم بأرض إسرائيل الكبرى "ودولة إسرائيل في أذهانهم من النيل إلى الفرات.
ولهذا كنا نقول ان الرهان على المفاوضات والضمانات الأمريكية التي لا تساوي الحبر الذي كتب به، ويجب الرهان على طاقات الشعب الفلسطيني ، الذي قدم عظيم التضحيات ولا يزال على مذبح الحرية والاستقلال والعودة ، وخاصة ان قبول عضوية فلسطين في الأمم المتحدة كدولة مراقب يسمح للهيئات الدولية ومنها المحكمة المعنية بالنظر في الطلبات المحالة إليها من دولة فلسطين . ، ولكن للاسف نجحت الضغوط الأمريكية كما هو بادٍ، في ثني الجانب الفلسطيني عن خوض هذه المواجهة السياسية القضائية، وبذلك تم التخلي عن أفضل ميزات وصول فلسطين إلى الأمم المتحدة . وعليه لا يعود مستغرباً أن يشكل المستوطنون ميليشيات رديفة لجيش الاحتلال، وأن يكون على رأس مطالبهم وقف الإفراج عن الأسرى المشمولين بالاتفاق الاخير ،فيما يضع الاحتلال السلطة بين خيارين: إما القبول بالاستيطان، أو القبول به مضافاً إليه إرهاب المستوطنين الفالت من كل عقال .
وامام ذلك نرى ما يجري اليوم ليس امر عاديا، امام ما تشهده الارض الفلسطينية من اعتداءات يومية ضد الشعب الفلسطيني هناك ومن ردود افعال شعبية وصلت الى حد اشهار السلاح تؤكد ان فلسطين كلها على شفا حافة من انتفاضة جديدة لها اساليبها وهي انتفاضة غضب شعبيه سيكون لها اثار البالغ بمواجهة الاحتلال والاستيطان الصهيوني وتغير الخارطة بالاتجاه الصحيح .
وعلى الجميع ان يعي ان السلطة ووجودها لن تنسي الشعب الفلسطيني في الخارج الذي قدم الاف الشهداء و الجرحى و الاسرى و حمل لواء ثورة على مدى عقدين و نصف من الزمان ، وهنا السؤال اين منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها ، اين الشراكة الوطنية الحقيقية للفصائل في منظمة التحرير ، نحن لا نريد اعطاء ممثلي الفصائل كلمات ، نحن نطالب بالمشاركة في كل مؤسسة من المؤسسات والسفارات ، فلا يجوز ان نتحدث عن الوحدة والقرار يعود الى طرف واحد ، فنحن نعيش في وضع يرثى له على جميع الصعد الذي بات يشكل عبئا على مسيرة الشعب الفلسطيني, و رغم كل ذلك تسير السياسة الفلسطينية في مفاوضات عبثية ما زالت تلحق الاذى بالحقوق الوطنية وتشكل عبئا على قدرة الشعب الفلسطيني على مواجهة التحديات التي تفرضها الممارسات العملية لكيان العدو على الارض، ومن هنا فالمفاوضات شئنا ام ابينا شكلت مظلة للاحتلال من خلال مواصلة جرائمه وارهابه ومخططاته على الارض الفلسطينية دون رادع.
ان تطورات الأحداث الجارية في منطقتنا العربية، المتواصلة والمتنقلة من بلد الى آخر، واذا كانت في مجملها تشكل عملية مخاض عسير، فإن نتائجها سوف تترك أثرها على القضية الفلسطينية، وسط كل ذلك يتوجب على مختلف القوى الفلسطينية البحث في وسائل تعزيز وتطوير وتنويع المقاومة الشعبية بكافة اشكالها ضد الاحتلال، وضمان عدم توقفها، والانتباه من مخاطر تحويلها الى شعارات استخدامية من هذا الطرف أو ذاك، وبالتالي ومهما كانت النوايا فان هذا المسلك يصب في مجرى محاولات ترويض المقاومة.
وامام خطاب نائب رئيس حركة حماس اسماعيل هنية نقول حدث ولا حرج، فلم يأت باي جديد، حيث كان الخطاب قائم على المكابرة ومواصلة سياسة إدارة الظهر للمصالحة وطي صفحة الانقسام ، في ظل الوضع الفلسطيني الحرج ، فالانقسام لا يمكن لمن يمارسه أن يساهم في قيادة الشعب الفلسطيني، فالنضال يحتاج إلى وحدة وطنية، وقوة تستطيع مواجهة التصدي للاحتلال الصهيوني، وتجعله يشعر بأن احتلاله لأرضنا وتنكره لحقوقنا سيكون خاسراً وباهظاً له.
ان المشروع الاسرائيلي الأمريكي الذي استهدف الثورة الفلسطينية بكل مراحلها ولازال مستمرا، عبر موجات محاولة نضال الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية ، وان التصدي لهذا المشروع يتطلب وحدة الموقف الفلسطيني والحفاظ على المشروع الوطني والتمسك بالثوابت الفلسطينية وقرارات الاجماع الوطني وحماية منظمة التحرير الفلسطينية الكيان السياسي والمعنوي للشعب الفلسطيني وممثله الشرعي والوحيد .
ان الوقوف امام الدورس التي افرزتها المسيرة التحررية لشعب فلسطين ودفع ثمنها قوافل متعاقبة من الشهداء والأسرى، وعقود طويلة حافلة بالعذاب بأشكاله المختلفة، تفرض على الجميع التمسك بخيار المقاومة بكل أشكالها بمثابة الخيار الاجباري لفصائل المقاومة الفلسطينية بمواجهة الاحتلال للدفاع عن الارض والشعب والمقدسات والحقوق التاريخية وعن المصالح الحيوية لشعوبنا التي باتت في موضع الخطر، بطبيعة الحال لا توجد مقاومة من أجل المقاومة، فشعب فلسطين أسوة بباقي شعوب المعمورة تواق للحرية ولممارسة حقه في الحياة، ولتحقيق تلك الاهداف الوطنية لابد من مراكمة الخطوات على طريق احداث ازاحات في ميزان القوى، لقد تعرضت مسيرة المقاومة لعملية بتر وتقطيع أو تبريد لزخمها، وأحيانا محاولة الطعن بها، والتشويش على عملها تحت تبريرات متعددة، بالتأكيد لم تكن المقاومة الفلسطينية بمنأى عن التفاعل مع العوامل العربية والاقليمية، وإذ كان العامل العربي وواقعه في المرحلة الراهنة لم يعد يشكل رافعه للموقف السياسي الوطني والقومي المنسجم مع حقوق الشعب الفلسطيني أصبح يؤخذ من قبل بعض الأطراف الرسمية العربية لتبرير الطعن في المقاومة التي اقرتها المواثيق والاعراف الدولية.
وامام ما تعرض له النازحين الفلسطينين من سوريا المهاجرين في البحر الى الدول الاوروبية واميركا واستراليا وكندا، ما الذي يدفعهم واطفالهم الى ركوب موج البحر القاتل في قوارب مهترئة ، والمجازفة بحياتهم، وهم يعلمون انهم معرضون للموت في كل لحظة ، وقد ابتلعت مياه البحر الالاف ممن سبقوهم على هذا الطريق الوعر،بعد ان فقدوا الامل في حياة كريمة .. فقرروا المغامرة على امل الخروج من لجة اليأس، ومعهم اخوة من جميع الجنسيات العربية، وقد وحدهم البؤس والظلم ، من يتحمل المسؤولية بعد ان قذفت اشلائهم في عرض البحار، تتقاذفهم الامواج جثثا عائمة، أو تبتلعهم الاسماك والحيتان، ولو كان هنالك توفر لهم الشعور بالامان، والعدالة والمساواة لم قرروا الهجرة .
وختاما لا بد من القول : ان الوضع الفلسطيني يستدعي اجراء تغييرات شاملة و عميقة و جريئة في بنى المؤسسات الوطنية وبرامجها وسياساتها و هذا يشمل الكل الوطني (منظمة ام سلطة ام الفصائل) و حتى نتجنب الوقوع في احضان التيه الذي سيدمر كل المنجزات وسيلقي بحقوق الشعب الفلسطيني و مصالحه في المجهول علينا ان ننجز هذه المراجعة والتغييرات الوطنية ، وهذه مسؤولية وطنية عامة تتحملها الفصائل و الشخصيات والشعب الفلسطيني بكافة شرائحه فلا يجوز ان يستمر الصراخ دون اية خطوات عملية لانقاذ ما يمكن انقاذه وتحقيق خطوة بالاتجاه الصحيح لم يكن الشعب الفلسطيني و تاريخه غريبا عنها يوما.

كاتب سياسي