بسم الله الرحمن الرحيم
العمل النقابي الناجح
لا شك اليوم أن العمل النقابي تعصف به الكثير من المتغيرات وتشل حركته العديد من الاحداث التي تخطت الفلسفة التي قام على أساسها وهي مناهضة استغلال المشغلين ، وتحسين ظروف وشروط العمل للعمال ، لكن الواقع والظروف الجديدة تجاوزت ذلك لتؤثر بشكل مباشر على العمل النقابي وبنيته الاساسية وحتى على برامج عمله وخططه التنموية والعمالية ، فحال النقابات العمالية اليوم لا يسُّر أحد بإعتبارها تقف عاجزة أمام القيام بواجباتها ووظيفتها الحقيقية ، وعدم مقدرتها على التكيف مع الواقع الجديد في ظل البيئة المشوه التي نعيشها وتخضع للعديد من الضغوطات والتدخلات أي كان شكلها أو مضمونها ، وهذا يدعو للتفكير الجدي بكيفية الحفاظ على انجازات العمل النقابي وحمايته من التلاشي والاندثار ، وذلك من خلال العمل النقابي الناجح والمدروس والمبني على أصول العمل السليم ، خاصة أن هناك ابجديات يجب ان لا تتجاوزها القيادة النقابية بما تحمل من ثقافة وقيم عمالية نقابية ترسخ وتجذر للعمل النقابي ، فالنقابات العمالية هي الاساس في هذا العمل وبمكوناتها ولوائحها وخططها ، تسعي للحفاظ على العمال وتعمل على تحقيق تطلعاتهم الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية .
لكي تستطيع القيام بعمل نقابي ناجح يجب التأكيد على بعض المفاهيم والقيم النقابية التي تؤسس لذلك ، فالاستقلالية في إدارة شئونها الداخلية واهتمامها بالبعد الجماهيري العمالي قدر المستطاع من خلال التواصل والاتصال الفعال بالعمال في كل مواقع العمل ، وتلمس مشاكلهم وقضاياهم ، والعمل وفق خطط منهجية واليات لعلاجها ، وتعزيز المفاهيم الديمقراطية في البناء النقابي وفي إتخاذ القرار من خلال مشاركة العمال في تقرير مصيرهم النقابي والمهني يساهم بشكل فعال في تعزيز وجود العمل النقابي ونجاحه ، وعلى النقابات العمالية ان تعمل لتأطير أعضائها وتنمية مهاراتهم ، وتحسين سلوكهم في العمل ، ودمجهم بشكل إيجابي في المجتمع من خلال تعزيز القيم النقابية الايجابية التي تحقق الاهداف لتكون بمثابة مدونة سلوك توجه الاعضاء والعمال بشكل عام ، فالعمل الجمعي يساهم بشكل كبير في إشراك العمال في التخطيط والتنفيذ ويعزز لديهم الانتماء للعمل وللنقابات وللمجتمع ، ويؤسس لمنهج ديمقراطي حقيقي ، ويحقق تنمية بشرية ، كما يساعد في تحسين الاداء مهني لدي قيادة العمل النقابي والعمال .
فهناك قيم نقابية يجب العمل عليها للحفاظ على العمل النقابي ويجب ان لا يتخطاها منها :
الانتماء : وهو يعتبر جوهر العمل ، فالانتماء للعمل النقابي والايمان به يعتبر عنصر أساسي في نجاح المهمة التى يقوم بها النقابي ، فكيف نتوقع من شخص غير منتمي أو مؤمن بقضية بأن يخلص لها ويقدم جهده وعمله ووقته لإنجاحها وان كان مستفيد ، فليست الاستفادة تعني الانتماء ، فالانتماء الحقيقي يكون نابع من الوجدان ومن الاحساس والايمان بما يقوم به النقابي أو أي شخص مهتم بالقضية وبالعمل النقابي الصحيح والسليم .
الانضباط والالتزام : والمقصود فيه انضباط والتزام قيادة العمل النقابي بما هو موكل لهم من مهام وأدوار وظيفية وفق اللوائح والقرارات العمالية ، وهذه القيمة يجب العمل على تعزيزها من خلال السلوك اليومي الذي يتبعه النقابيين في إدارة العمل ، فهم القدوة أمام العمال .
المشاركة : من واجب القيادة النقابية العمل على إشراك العمال في كافة القضايا النقابية والعمالية وتوسيع اليات المشاركة قدر المستطاع بهدف تعزيز مساهمة القواعد في إتخاذ القرار بما يضمن نجاح التنفيذ .
العمل التطوعي : كثير هؤلاء الذين أصبحت المصالح تحكمهم ، ( حسبة المنفعة والخسارة) هي التي تقيد عملهم وتحكمه ، وهذه الفلسفة يجب أن تكون بعيدة عن العمل النقابي ، فهو بالأساس يقوم على التطوع ، والعمل التطوعي يحتاج لمهارات ولقدرات ولأشخاص مؤمنين بالقضية ، فالإيمان بالمهمة التطوعية والقيام بها بدون انتظار أي مردود يحقق نجاح للعمل النقابي ، وإن كان هناك في نهاية المطاف مصالح تتحقق ، ويفترض أن يكون الاساس في هذه العملية التطوع والقيام بمهام اجتماعية لخدمة المجتمع أيضا فالتطوع يفترض يكون واجب كالخدمة في الجيش اتجاه قضايا المجتمع .
الايثار : إن غاب مبدأ الايثار عن الحياة النقابية في ظل التناحر والمنافسة يضعفه ويشتت الجهود ويحرف البوصلة عن وجهتها الاساسية ، فالإيمان بالإيثار للآخرين والعمل على تعزيزه يساعد في الحفاظ على تماسك العمل النقابي واستمرايته وخاصة أنه مبدأ إنساني يخضع لعدة معايير أولها أن يكون المتمتع بها إنسان يعي ما يفعل ، ومؤمن بأن اعطاء الفرص لبعض يساعد في تخفيف حده الصراعات بين الاشخاص وينمي العمل ويحافظ عليه .
المبادرة : هناك البادئين والمبادرين وهم ما يحتاج لهم العمل النقابي وخاصة فيما يتعلق بتطوير العمل والنهوض به ويجب العمل على تنمية مبادراتهم وإحتضانها ، فالعمل النقابي يحتاج لكل جديد ليستطيع مواجهة ما تعصف به من إحداث ومتغيرات .
العمل الجماعي : أي عمل يكون بعيد عن لأصحاب العلاقة ومشاركتهم في اتخاذ القرار وتقرير المصير يضعف العمل النقابي ، ويجرده من أهم المبادئ التي قام على أساسها وهي العمل الجماعي ، فالعمل الجماعي يوسع دائرة المشاركة ويؤسس لعمل ناجح .
الاقتناع : يعني أن يكون النقابي والعمال مقتنعين بما يقوم به العمل النقابي وبضرورته وهذا المبدأ يترسخ في حال استطاعت النقابات العمالية أن تقنع العمال بما تقوم به وأهميته للمرحلة القادمة وهي خدمة العمال ، وأن يكون القائد النقابي مقتنع ما يقوم به من مهام عمل ودور لخدمة هذه الشريحة العمالية ، فأي عمل بعيد عن الاقناع به لن يحقق أهدافه وحتماً سيؤول للفشل والاندثار .
الانصات : من واجب العاملين في المجال النقابي الاكثار من الانصات الجيد للعمال ، والاستماع لمشاكلهم وهمومهم فذلك يعزز العلاقة مع العمال ويؤسس للثقة والتقبل بين القيادة النقابية والعمال .
كثيرة تلك القيم التي تساعد في الحفاظ على العمل النقابي وتساهم في دعم صموده في المرحلة القادمة ومطلوب الكثير من الجهد لقيادة العمل النقابي لضمن استمراريته بشكل صحي وسليم بعيداً عن حالات التشرذم التي أساسها شخصنة الامور ومحاولة تحزيبها وتسييس العمل النقابي ، وخاصة في ظل تعاظم مشاكل وهموم العمال في هذه المرحلة ، فالالتزام بهذه القيم وغيرها يساهم بشكل كبير في مواجهة كل العقبات وتذليلها لإنجاح العمل لاعتمادها على سلوك انساني واضح لا يمكن العبث فيه وهو في المحصلة النهائية له البقاء .
• بقلم / د. سلامه أبو زعيتر
• عضو الامانة العامة في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين
23/10/2013م