تناثرت السياسة الفلسطينية وتمزق الوطن الفلسطيني الواحد وتعددت المواقف المتضادة وكل طرف يُصر على عناده ويتصرف بسلوك يعكس بصمات خارجية إقليمية ودولية على هذا الإنقسام ، وذلك حسب مصالح كل طرف ، حيث يُصر كل طرف على تحقيق مآربه الخاصة به من خلال عملية الإنقسام المتصاعدة بين الفلسطينيين ، إذ أن كل طرف من الأطراف الإقليمية والدولية المتنافرة يستخدم الإنقسام كورقة ضغط في يده ، وذلك لكسب جوله في معركة من معارك الصراع بين وحدات النظام الدولي من خلال إظهار قوة السياسة الخارجية لكل طرف من أطراف تلك الصراع.
لقد منع الإنقسام الفلسطيني الفلسطينيين من التحدث بصوت واحد وقوي ، إذ أصبح لهم حكومتين برئيسين كل واحدة منهما تتحدث بأفكار وإستراتيجيات مختلفة تماماً عن الاخرى ، ولها رؤية في الإحتلال والتفاوض والسلام .. الخ ، وهذا ما يريح الإحتلال الإسرائيلي ويجعله في حلٍ من كل الإتفاقيات الدولية التي يمكن من خلالها ممارسة الضغط عليه لانتزاع بعض حقوق الشعب الفلسطيني ، كما يجعل المنظومة الدولية تخفف من وطأة ضغوطها على حكومة الإحتلال بتحقيق مزيداً من مطالب الفلسطينيين بحجة أنهم لا يعرفون مع من يتحاورون من المنقسمين، وبالتالي فهم ينتظرون حتى ينتهي الإنقسام ، ويعملون في نفس الوقت على إطالته.
فالإهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية غالباً ما تجده يُسلط الضوء على مبادرات السلام بين الفلسطينيين والإحتلال الإسرائيليي ، في حين أنه يتجاهل تماماً مسألة الإنقسام وهي من أخطر القضايا الداخلية على مستقبل القضية الفلسطينية والتي لها إنعكاسات إقليمية ودولية ، بل تجده في أحياناً كثيرة يُعزز الإنقسام بالضغط على أحد الأطراف لعدم ملاقاة الطرف الآخر والإقتراب منه بدعوى تعزيز السلام وتقوية خط المفاوضات ، في حين أن المفاوضات لن تسفر عملياً عن أي تقدم لصالح الفلسطينيين طيلة السنوات الفائتة والتي كان فيها الفلسطينيون أحسن حالاً وأفضل تماسكاً مما هم عليه الآن.
لقد شهد العقد الفائت انهيار سلسلة من المبادرات الدبلوماسية دون أن يدرك أصحاب هذه المبادرات أن هناك عقبات تقف حائلاً أمام أي مبادرات يتم طرحها لحل الصراع مع الإحتلال الإسرائيليي حتى وإن كانت تلك المبادرات تصب في مصلحة الطرف الفلسطيني.
فالإنقسام الفلسطيني يحول دون نجاح أيٍ من تلك المبادرات لان أي مبادرة سلام مع سلطات الإحتلال الإسرائيليي هي بحاجة إلى توافق شعبي جامع لكل أطياف المجتمع الفلسطيني وبالتالي فإنه من الأولى في هذه الأوقات التركيز على إعادة اللحمة بين الأطراف الفلسطينية المنقسمة وتوحيد شطري الوطن.
فالشعب الفلسطيني الآن يتطلع إلى إنهاء الإنقسام أكثر بكثير من تطلعه إلى أي مبادرات تسوية تطرح مع الإسرائيليين .فمن الواجب على القيادات الفلسطينية المنقسمة تلبية رغبة شعبها المتطلع إلى فلسطين موحدة وليس إلى رغبة أطراف خارجية فشلت في تجربة الرهان عليها بكافة السبل.