ذهب ليستريح على سريره الخشبي الموجود على أطراف حظيرته الكبيرة ..الملآى بالأبقار والعجول والجِمال والخراف ،وقبل أن تغفو عيناه أدار زر المذياع الذي يلاصقه دوما في نفس المكان ،وفجأة توقف على صوت أحد الشيوخ الذين حباهم الله بصوت ذهبي .. وهو يتلو آيات من الذكر الحكيم قوله تعالى :
" ويل للمطففين ( 1 ) الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ( 2 ) وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ( 3 ) ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ( 4 ) ليوم عظيم ( 5 ) يوم يقوم الناس لرب العالمين "( 6) وبعد سماع تفسير الآية ..عندها ، اعتدل في مقعدة بسرعة ،وكأنه قد أصيب بمس كهربائي ..حيث ارتعدت فرائصه من الخوف ، وأحس بتأنيب الضمير ..قام على الفور واتصل بشريكة طالبا منه الحضور إليه ..ولما حضر قال له : علينا أن نتق الله ،فنلتزم بالميزان وألا نخدع عباد الله من أجل دراهم محرمة بعد ذلك ..إلى متى سوف نغش الناس بأن ميزان أضحيتهم 500كيلو ونحن قد عبثنا بكل حماقة وجشع في برمجة الميزان كلما زاد عن 400كيلو يزيد الوزن إلى 50 كيلو بصورة آلية ..قاطعه شريكة هامسا له في أذنه ..خفض من صوتك لا تفضحنا ..ثم نحن في موسم بيع الأضاحي دائما ..نتعامل بهذه الطريقة من أجل المكسب والربح الوفير ..أنسيت من أين أتيت بالسيارة ..أنسيت كيف بنيت برجك العاتي ..وأخذ يعدد له كل المكاسب التي تجمعت مكنوناتها من الحرام ..أنسيت أن الحياة فرص يا صديقي !! ثم أليس أنت كنت دوما تحاول إقناعي أن التجارة شطاره كما يقولون ؟!! ..خسارة أن تتراجع عن قولك وعن موقفك يبدو أني سأفض شراكتي بك .. رد عليه بغضب شديد بعد أن أصابته وخزات سريعة بالقلب حيث قال : لا يمكن أن استمر أكثر من ذلك.. ثم أني الآن عزمت على الرجوع والتوبة إلى الله .. فإن الله يغفر الذنوب جميعا أشهد أن لاإله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله ..وما أن قال تلك الكلمات وإلا قد فارق الحياة حيث لفظ أنفاسه الأخيرة !!