يحيي الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات الذكرى السنوية السادسة والتسعين لصدور وعد بلفور المشؤوم الذي أسفر عن وعد غير ذي حق لليهود في أرض فلسطين، أصدرته حكومة بريطانيا آنذاك، والذي بدوره أدى إلى تعميق مآسي هذا الشعب يوما بعد يوم. وبرغم كل هذه التحديات فالشعب الفلسطيني مصر على استرداد حقه المغتصب، ذلك أنه لم يتنازل قيد أنملة عنها وإن طال الزمن. إن القضية الفلسطينية إرث تتناقله الأجيال تستحيل المساومة عليه.
بداية، لابد لنا من تعريف لوعد بلفور. هو ذلك الوعد الصادر عن الحكومة البريطانية في العام 1917 في الثاني من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، منحت بموجبه بريطانيا أرضا لا تملكها وهي فلسطين للصهاينة الذين هم غرباء عن هذه الأرض، وهذا العمل أدى إلى اغتصاب وطن، وتشريد شعب فلسطين.
لقد كان هذا الوعد باطلا تاريخيا وقانونيا لعدة أسباب: أولها منحت بريطانيا أرضا لا تملكها وهي فلسطين للصهاينة الذين هم غرباء عن هذه الأرض وهذا العمل أدى إلى اغتصاب وطن وتشريد شعب فلسطين. فكيف تصدر بريطانيا وعدا بمنح أراض لم تكن فيها أصلا ولا تملكها ولم تكن من مستعمراتها.
ثانيها أصدر الإنجليز وعد بلفور في 17/11 /1917 م بينما هم دخلوا فلسطين في 9/12 /1917 م أي أن الوعد صدر قبل شهر وأسبوع من دخولهم فلسطين وتوقع الإنجليز أن ينتصروا في الحرب العالمية الأولى، فلو هزموا في الحرب لما تحقق وعد بلفور .
ثالثها لم يذكر وعد بلفور كلمة العرب لا المسلمين و لا المسيحيين وإنما ذكر عبارة غير اليهود في فلسطين علما أن العرب كانوا يشكلون 93%من الشعب في فلسطين بينما اليهود في فلسطين يشكلون 7%فقط .
رابعها صدر هذا الوعد بشكل سري أرسله اللورد بلفور إلى اللورد روتشيلد وظل هذا الوعد مكتوما عن العرب عموما والشعب الفلسطيني خصوصا حتى عام 1917 م ،حين سربته الثورة البلشفية في روسيا وسربت أيضا معاهدة سايكس بيكو أي بعد نهاية الحرب العالمية الأولى ،ولم يكن روتشيلد ذا صفة دولية وإنما كان أحد أغنياء اليهود.
خامسها كانت بريطانيا قد أعطت الشريف حسين عام 1915 م وعدا في المراسلات التي تمت بين الشريف حسين و السير هنري مكماهون وفي هذا الوعد أقرت بريطانيا بأن تكون فلسطين جزءا من الدولة العربية المستقلة بعد نهاية الحرب العالمية، إلا أنها أعطت بعد سنتين من ذلك فلسطين للصهاينة وكانت الهدية تهدى مرتين وبذلك نقضت بريطانيا وعودها ومواثيقها مع العرب وضربت بالحقوق العربية عرض الحائط.
من الناحية التاريخية : فلسطين للعرب قبل أن يسكنها اليهود، فقد سكنها العرب الكنعانيون قبل الميلاد بآلاف السنين وتدل الآثار العربية الكنعانية على ذلك ولا يوجد أي أثر يهودي فيها رغم التفتيش والبحث الدقيق للعثور على أي اثر عبري بلا فائدة.
حينما يذكر الفلسطينيون القضية بكل أبعادها وتداعياتها المأساوية، تتبادر إلى أذهانهم بريطانيا العظمى، ذلك أن القضية تعود جذورها إلى اليوم الثاني من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 1917، يوم أصدر وزير خارجية بريطانيا آنذاك اللورد بلفور وعده المشؤوم. يومها كانت قوات الإمبراطورية البريطانية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى قد بدأت تدخل فلسطين لتعلن عليها انتدابها الذي استمر من العام 1918إلى العام 1948.
على مدى ثلاثين عاما من انتدابها، وظفت حكومة بريطانيا العظمى وعدها على أرض الواقع، وترجمته إلى حقائق لا تمت بصلة إلى الحق الفلسطيني. فما إن أطل يوم الخامس عشر من أيار/مايو 1948، حتى كانت الدولة اليهودية جاهزة لتعلن على الجزء الأكبر من أرض فلسطين التاريخية.
في المقابل تم اقتلاع مئات الآلاف من الفلسطينيين من وطنهم التاريخي وتدمير المساحة العظمى من تجمعاتهم السكنية، لتقام على آثارها البلدات والمستوطنات اليهودية، وليصبح جل هؤلاء الفلسطينيين شعبا مهجرا منفيا خارج حدود وطنه التاريخي. وهكذا أفرزت هذه القضية إحدى أخطر إفرازاتها متمثلة بالنكبة الفلسطينية التي ما زالت قائمة حتى الآن .
صحيح أن الزمن قد تقادم على هذه القضية، إلا أن مسؤولية بريطانيا عما حدث للشعب الفلسطيني من ويلات وكوارث ومآس، لا يختلف عليها اثنان، ولا يلغي هذه المسؤولية وما يفترض أن يترتب عليها. وبرغم ذلك كله فإن أخطر ما ارتكبته بريطانيا أنها غضت الطرف عما فعلته، أو أنها بصحيح العبارة نفضت يدها من أية مسؤولية تجاه الشعب الذي شردته وتسببت في معاناته طوال عقود القرن العشرين المنصرم ولا تزال.
في هذه الأيام بالذات، وبعد احتلال بقيته، يتعرض الوطن المحتل إلى الإجتياحات الإحتلالية التدميرية التي تقوم بها قوات الإحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة سواء في القطاع أو الضفة، ناهيك عن مشاريع الإستيطان الإسرائيلية التي ابتلعت الجزء الأكبر من الأراضي الفلسطينية. وها هي القدس كادت يتم تهويدها، والأقصى المبارك يتعرض إلى أشرس الهجمات، ويخشى عليه من المؤامرات التي يتعرض لها وتستهدف هدمه وإقامة الهيكل المزعوم على آثاره، أو تقاسمه مكانيا وزمانيا مع المسلمين.
إن السياسة البريطانية فيما يخص الشأن الفلسطيني تكاد تتطابق مع السياسة الأميركية المنحازة انحيازا تاما للتوجهات الإسرائيلية . وفي تصور الكثيرين أن بريطانيا لو شاءت فإن لها من الوسائل والآليات والمكانة والنفوذ ما يمكنها أن تؤثر من خلالها على الساسة الأميركان .
وفي هذا الصدد فإن الفلسطينيين يتذكرون ما آلت إليه اجتماعات أنابوليس ، وقراراتها التي ظلت حبرا على ورق، ويتذكرون وعود الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الإبن التي لم يكن لها أدنى رصيد من المصداقية، وظلت مجرد نطفة في رحم الغيب السياسي
كلمة أخيرة. إن الفلسطينيين وقد حرموا طوال عقود طوال من الزمن وما زالوا من أبسط حقوقهم الإنسانية والوطنية والسياسية جراء نكبتهم التي كان للسياسة البريطانية يد طولى في إيجادها وتعميقها، يتوقعون من بريطانيا أن تعيد في العام 2013 قراءة القضية الفلسطينية قراءة تسودها روح العدالة والإصاف والحق والإلتزام الأخلاقي، وأن تفعل شيئا حقيقيا لتكفر عن بعض خطيئتها وخطأها أثناء الإنتداب البريطاني على فلسطين، وهذا غيض من فيض ما يفترض أن تفعله بريطانيا تجاه الشعب الفلسطيني. وماعدا ذلك يكون إصرارا على تكريس النكبة وهروبا مقصودا من المسؤولية.
على الصعيد الفلسطيني، لقد اعتاد الشعب الفلسطيني على شتى أشكال الظروف، وهو من المناعة بحيث أن ظرفا ما أيا كان لن يقدر على إحباطه أو تدمير قواه الذاتية التي حافظ عليها عبر أقسى نضالاته. وإن غدا لناظره قريب.