زهرة التوليب التي نعنيها هنا ليس لها علاقة بلوحة بابلو بيكاسو "الطبيعة الصامتة إلى التوليب" التي أهداها إلى حبيبته، وبيعت مؤخراً بأكثر من أربعين مليون دولار، فلسنا من عشاق الفن التشكيلي، أو بالأحرى لا نملك القدرة على فك طلاسم الألوان المتداخلة فيه، ولا نجيد الغوص في العقل الباطني لصاحبها كما يفعل البعض، لكن هذه اللوحات لها من يهتم بها وينقب عنها في بلاد المعمورة، حيث يبحثون بإقتنائها عن الارتقاء بأسمائهم على قائمة المهتمين بالفن، وإن كانت كلفة ذلك مليار دولار ينفقونها سنويا لتضخيم مقتنياتهم الفنية، ولو بقيت حبيبة بيكاسو على قيد الحياة لجن جنونها بهدية حبيبها، كما هو حالنا عند سماعنا للوحة بيعت بربع مليار دولار بالتمام والكمال.
لكن ما يهمنا في زهرة التوليب ما باتت تعبر عنه من رمز للصداقة بين الشعوب، فبعد أن انتقلت أزهار التوليب من الدولة العثمانية إلى هولندا، استوطنت هناك لتتحول إلى قيمة اقتصادية كبيرة، لكن الأهم أن ملكة هولندا السابقة "جوليا" وقبل أن تضع الحرب العالمية الثانية أوزارها، غادرت بلادها تحت وطأة الحرب فيها واتجهت إلى كندا، وهناك تم منحها قطعة أرض سجلت باسم مملكة هولندا، كي تنجب الملكة الوافدة إليهم ولياً للعهد على أرض هولندية، وبعد أن انتهت الحرب عادت الملكة إلى مملكتها، واعترافاً منها بجميل كندا أرسلت مائة ألف زهرة من زهور التوليب، فباتت الزهرة بما فعلته ملكة هولندا رمزا للصداقة بين الشعبين.
نعم نحن بحاجة إلى زهرة التوليب، وزهرة التوليب التي ننتظرها من الأشقاء العرب ستلامس احتياجات مليون ونصف مواطن هم عدد سكان قطاع غزة، وزهرة التوليب التي ينتظرها سكان قطاع غزة هي من فصيلة الطاقة الكهربائية، حيث من الواضح أن مشروع الربط الكهربائي بين المملكة العربية السعودية ومصر دخل حيز التطبيق، فقد شرعت اللجنة السعودية المصرية المشتركة اجراءات طرح عطاء المشروع بكلفة إجمالية تصل إلى 1،6 مليار دولار، ويمكن المشروع البلدين من تبادل الطاقة الكهربائية بينهما خلال فترات الذروة بقدرة تصل إلى ثلاثة آلاف ميغاوات، اعتماداً على تباين فترة ذروة الأحمال بين البلدين، في السعودية فترة الظهيرة وفي مصر بعد الغروب.
حاجة قطاع غزة من الكهرباء تمثل نسبة طئيلة من القدرة التبادلية بين البلدين، وفترة الذروة في قطاع غزة تتشابه مع مصر، وبالتالي تزويد قطاع غزة بما يحتاجه من التيار الكهربائي من خلال الربط على الشبكة المصرية لن يشكل عبئاً يذكر، لكنها ستكون كافية لأن يعيش سكان قطاع غزة دون معاناة انقطاع التيار الكهربائي المتكرر، والذي يمس كافة جوانب الحياة فيه، إن مشروع الربط الكهربائي بين الشقيقتين السعودية ومصر يدفعنا لأن نطرق جدياً فكرة الربط الكهربائي لقطاع غزة مع الشقيقة الكبرى مصر، لعل هذه هي زهرة التوليب التي ننتظرها من هذا المشروع الهام ومن الأشقاء العرب.