القدس.. امتزاج للتاريخ والحضارات والجمال

بقلم: حنا عيسى

 
تحفل مدينة القدس بالعديد من المقدسات الإسلامية والمسيحية والمواقع التاريخية والأثرية والحضارية التي تختصر حضارات عريقة وتاريخ حافل بالبطولات والأمجاد، ومن أبرزها كنيسة القيامة بمعالمها وقدسيتها، والمسجد الاقصى المبارك، ومقبرة مأمن الله وغيرها من المعالم والمقدسات.
 
وتعتبر مقبرة "مأمن الله" أقدم مقابر القدس عهداً وأوسعها حجماً، وأكبرها شهرة وساير تاريخها تاريخ القدس، وفيها دفن عدد كبير من الصحابة والمجاهدين أثناء الفتح الإسلامي (636م)، وعندما احتل الصليبيون القدس وارتكبوا فيها مجزرة بشعة حيث قدر عدد الشهداء في هذه المجزرة من الرجال والنساء والأطفال بـ ِ(70.000) شهيد، أمر الصليبيون من بقي من المسلمين بدفن الشهداء في مقبرة "مأمن الله"، وعندما حرر السلطان صلاح الدين الأيوبي القدس من يد الصليبيين أمر بدفن من استشهدوا في المعارك مع الصليبيين في نفس المقبرة. فضمت قبور مئات العلماء والفقهاء والأدباء والأعيان والحكام من المدينة، وأحيطت المقبرة في أواخر العهد العثماني بسور عام 1318هـ، وأستمر المسلمون في دفن موتاهم حتى عام 1927م حيث أصدر المجلس الإسلامي الأعلى حظراً على دفن الموتى فيها بسبب إكتظاظها واقتراب العمران إليها.
 
وما زالت المقبرة تتعرض للعديد من الانتهاكات الجسيمة لحرمتها من قبل سلطات الاحتلال الاسرائيلي، ونسرد باختصار ما حدث عام 1935 من القاء اليهود أنقاض أبنية لهم في تربة مقبرة مأمن الله. وعام 1947 استولى الجيش البريطاني على المقبرة وهدم أجزاء من سورها، اما في عام 1967 حولت المؤسسة الإسرائيلية جزءا كبيرا من المقبرة الى حديقة عامة، دعيت بـ "حديقة الاستقلال" بعد أن جرفت القبور ونبشت العظام، وشقت الطرقات في بعض أقسامها، وبين الأعوام 1985-1987 نفذت عمليات من الحفر لتمديد شبكات مجاري، وتوسيع موقف السيارات فدمرت عشرات القبور وبعثرت عظام الموتى. وعام 2004 أعلنت الصحف الإسرائيلية نية الحكومة الإسرائيلية افتتاح مقر ما يسمى مركز الكرامة الإنساني – متحف التسامح في مدينة القدس، وفي 2/5/2004 وضع حجر الأساس لما يسمى بمتحف "التسامح".
 
وكنيسة القيامة تتربع في قلب البلدة القديمة من القدس المحتلة، حيث لا يستطيع الزائر للمدينة المرور منها دون سماع رنين أجراسها، والعبق من رائحة قدسيتها وجلالة معالمها، ليكون في حضرة كنيسة من أعرق كنائس العالم، شهدت مفصلاً تاريخياً بصلب السيد المسيح له المجد وقيامته وصعوده الى السموات العلى.
 
وفي القدس مشهد رائع وفريد، ففي حاراتها وشوارعها وأزقتها، المسجد يجاور الكنيسة، والكنيسة تشاطر المسجد افراحه واتراحه، تتعانق المآذن والاجراس معلنة نموذجا للتآخي والتعايش، في القدس شيوخ ورهبان، يصلون يتضرعون، مسلمون ومؤمنون يحملون هول القضية، قضية القدس، في القدس تكية ومحراب، دير ومذبح، في القدس عمامة وكلوسة، صلوات عيسى ومحمد عليهما السلام، جنبا الى جنب ولدوا، ترعرعوا كبروا وبتعايش جميل ...استمروا.
 
وفي قلب القدس تجد غصة هنا وغصة هناك، تفزع من هول ما ترى من احتلال، وظلام ما أقيم من بؤر استيطانية وكنس حجبت شروق الشمس الجميل عن ماذن واجراس المقدسات، تجد من يكتم صوت الله اكبر من على المساجد، ويشوه رنين اجراس الكنائس، تجد محتل غاشم سرق الارض وانتهك العرض واعتدى على المقدسات، دون ان تجد عنده شفيع لكنيسة المسيح ومسرى الرسول محمد عليهما السلام.