كان اسمها مستوطنات قطاع غزة، وصار اسمها الفلسطيني محررات؛ هي مساحة شاسعة من الأرض الفلسطينية التي احتلها الصهاينة، وبعد أن اطمأنوا أقاموا عليها مستوطناتهم، عشرات السنين اقام المستوطنون دولتهم بين مخيمات اللاجئين وشاطئ بحر غزة، وظنوا أنهم باقون، حتى جاءت المقاومة الفلسطينية، وحملت الموت، وأمطرت الخوف، وفجرت الأرض، وقتها هرب المستوطنون بعد أن دمروا بأيديهم المستوطنات، التي صار اسمها المحررات.
تجولت يوم الاثنين في المحررات، وأكلت من ثمارها، وتنفست هواءها، وشربت ماءها، وأدعو كل فلسطيني لأن يتجول في كل متر مربع من المحررات، فما زالت الحمامات الزراعية التي نصبها اليهودي، ما زالت قائمة، وما زال بعضها يقدم لسكان قطاع غزة الثمار ذاتها التي كان يقدمها لليهود، وما زالت الطرق التي شقها اليهود، ما زالت قائمة، ينتفع منها سكان قطاع غزة، بعد أن كانت في خدمة الصهاينة، وما زالت الأرض التي مهدها اليهودي، ما زالت قائمة، ينتفع منها الفلسطيني بعد إن كانت مسخرة لخدمة اليهودي الغاصب.
ما زالت كل الأشياء التي ظن اليهود أنها لهم، ولخدمتهم، ولمنفعة أبنائهم، ولتطوير مستقبلهم، كل الأشياء التي تركها الغاصبون المستوطنون فوق أرض غزة، ما زالت على حالها، تشهد أن الطريق الوحيد لتحرير الأرض هي المقاومة، وليست المفاوضات.
محررات غزة تفيض حمضيات في هذا الموسم، وأعطت بعض الفاكهة الصيفية، وتعطي سكان قطاع غزة الخضروات، وهي نافذة قطاع غزة على الحياة النقية الناعمة، ولكن الأهم من كل ما سبق، أن محررات غزة تفيض بالحرية والكرامة، وتشتم في طرقاتها ومن خلال خزانات المياه التي تركها اليهود، تشتم أريج الصبر والصمود، وتسمع في حفيف أشجارها، تسمع الشهداء، وهم يهمسون بحنان: بفيض دمائنا تحرر الوطن وليس بمداد أقلامنا.
محررات غزة التي تأتلق بالأخضر تستهلك مليون ونصف كوب ماء سنوياً، تضخها تسعة آبار فقط على طول وعرض المحررات، بينما سجن أصداء المقام على أرض المحررات، يقوم بحفر البئر الثالث، متحدياً قرار مجلس الوزراء الذي يحظر ذلك، لينضم إلى قائمة عشرين بئر حفرت في المحررات عشوائياً، تستهلك حوالي ثلاثة ملايين كوب ماء سنوياً.
المياه هي الركيزة الأساسية لحياة المحررات، وهي ذخر استراتيجي لكل المجتمع الفلسطيني، وعليه يتوجب الوقوف بقوة إزاء أي محاولة لإهدار المياه في غير موضعها.