إذا كانوا لا يستطيعون التوصل فيما بينهم، إلى اتفاق للتعريف من هو اليهودي، بسبب الخلافات بين الحاخامات والطوائف والجنسيات اليهودية، تأتي المحكمة العليا في القدس، لتقرر عدم وجود قومية إسرائيلية، فقد رفضت هذه المحكمة بتاريخ 2/10/2013 – حسب ما جاء في جريدة معاريف الإسرائيلية – الطلب الذي تقدمت به مجموعة من الإسرائيليين، بإلزام دائرة تسجيل السكان في وزارة الداخلية الإسرائيلية، بتسجيل إسرائيلي في بند القومية، مشيرة في قرارها أنه لا وجود لقومية إسرائيلية، ولا ما يسمى بيهودية الدولة، إذ أن تسجيل السكان في هوياتهم يجري حسب طوائفهم: يهودي، عربي، درزي، شركسي، ليأتي رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" ويلح على الفلسطينيين مطالبا إياهم الاعتراف بالدولة اليهودية القومية للشعب اليهودي، وهو يعلم أن هذا الطلب من رابع المستحيلات الاستجابة إليه، ليس فقد من قبل الفلسطينيين، بل أيضا من المحاكم الإسرائيلية، والسؤال: لماذا اليهود الذين يعيشون في الدول الأجنبية يرفضون الإشارة إلى يهوديتهم في بطاقات هوياتهم وفي السجل السكاني للدولة التي يعيشون فيها؟، وهذا ما يفترض أن يكون عليه الحال في إسرائيل، حسب جريدة "هآرتس 4/10/2013".
ونعود إلى المحكمة الإسرائيلية العليا، التي جاء في قرارها، أنه قبل أربعين سنة، رُفعت قضية مشابهة، إلا أن المحكمة في ذلك الوقت، رفضت الطلب، مشيرة إلى أنه لم يثبت في ذلك الوقت ولا اليوم أيضا، وجود قومية إسرائيلية، مما دفع بالبروفيسور "عوزي أورنين"، بأن لا يسجل في خانتي الديانة والقومية كلمة يهودي، فاختار أن يسجل في خانة الديانة أنه بلا دين، وفي خانة القومية أنه عبري، وذلك حسب جريدة "هآرتس 3/10/2013"، أما المستأنفون فقد زعموا في استئنافهم –الذي رفعوه أمام المحكمة العليا- بأن القومية الإسرائيلية نشأت مع إنشاء الدولة، وأن نفي المحكمة لوجود قومية إسرائيلية، يشبه نفي وجود دولة إسرائيل، وهذا يعني أنه تاريخيا لا وجود لقومية يهودية، والادعاء الذي كان سائدا بأن الصهيونية هي حركة التحرر للشعب اليهودي، وتمثل قومية هذا الشعب ذهب أدراج الرياح، بلا حقيقة أو مصداقية حتى وفقا للمحكمة الإسرائيلية العليا.
في عام 1972، رفضت المحكمة اللوائية في تل – أبيب، طلب مستأنفين في موضوع القومية، فكان قرار المحكمة أن الإعلان عن الانتماء القومي، يحتاج إلى برهان على أن تلك القومية موجودة، وقضى القاضي "اغرينات"، بأنه لا معنى لامتحان الشعور الذاتي للإنسان، فيما يتعلق بانتمائه إلى قومية مجهولة، وأنه لم يثبت أنه في دولة إسرائيل تشكلت قومية إسرائيلية مستقلة، فموضوع القومية، يضع شكوكا في جميع المزاعم الإسرائيلية حول هويتهم الوطنية، وأنهم يخشون من تأثير قرار المحكمة ويعود بالأضرار عليهم وعلى قانون العودة ليهود العالم القادمين لإسرائيل، فالنقاش الدائر في إسرائيل بهذا الصدد، أخذ يطالب الهيئة التشريعية بسن قوانين جديدة لتطبيع مفاهيم المواطنة، إذ مضى عقود من التباحث حول موضوع القومية لكن الصورة لم تتغير.
هناك ثغرات بدأت تظهر وتفكك المطالبة باعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة، خاصة بعد أقوال وزير المالية "يائير لبيد" وغيره من السياسيين الإسرائيليين، أنه لا يتعين على الفلسطينيين الاعتراف بيهودية الدولة، ولا حاجة لمثل هذا الاعتراف، غير أن "نتنياهو" الذي يضع العراقيل أمام السلام يقول: إذا لم يعترفوا بإسرائيل بأنها الدولة القومية للشعب اليهودي، فإن السلام لن يتحقق، وهذا هو بيت القصيد من مطالبة "نتنياهو" الفلسطينيين بالاعتراف، وكأن السلام بات قاب قوسين أو أدنى، فأين هو السلام الذي يتحدث عنه "نتنياهو"، وهو يعمل كل ما في استطاعته، لخلق حقائق جديدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حتى لا يبقى ما يمكن التفاوض عليه، لكن "نتنياهو" يواجه حاليا معركة نزع الشرعية عن إسرائيل، وهو يقود حملة لتحطيم هذه المحاولة، لكن هناك حتى في إسرائيل، من يعتقد بأن مواقف "نتنياهو" في مطالبته الاعتراف بيهودية الدولة لا تعدو ورقة مساومة مع الفلسطينيين، الذين يريدون حقهم في عملية تقرير مصيرهم، مثل باقي شعوب العالم.
إن خارطة الأحزاب والحكم في إسرائيل متطرفة، ومعادية للفلسطينيين، كما أنها معادية للسلام، وهناك مجموعة من الاتجاهات، فالاتجاه اليميني الاستيطاني الديني المتطرف، يرفض في الأساس أية مفاوضات للسلام، تؤدي إلى انسحاب إسرائيلي من أراضٍ في الضفة الغربية، أما الاتجاه اليميني المعتدل، فإنه يربط التفاوض مع الفلسطينيين، باعترافهم بيهودية الدولة، وهذا اليمين المسكين يصعب عليه فهم لماذا يرفض الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" الاعتراف بيهودية الدولة، وبحقيقة أن إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، وهم لا يفهمون رفض الفلسطينيين لهذا المطلب، ويقولون –حسب السفير الإسرائيلي السابق في الولايات المتحدة "زلمان شوفال" - : إذا كانوا يخشون أن يُظلم مواطنو إسرائيل العرب من هذا الاعتراف، فهو يرفض مثل هذا الادعاء، ويقول بأن أحدا من المسؤولين اليهود لم يقترح سلب مواطني إسرائيل العرب حقوقهم، لا في الحاضر، ولا في المستقبل، وهذا ادعاء وفلسفة جديدة غريبة بعيدة عن الواقع، فقد سلبت جميع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، معظم أراضي الفلسطينيين من مواطني إسرائيل، حملة الجنسية الإسرائيلية، وما زالت هذه السياسية مستمرة، وما يشهده النقب حاليا من سلب عشرات آلاف الدونمات من أراضي المواطنين العرب، وهدم قراهم، والتمييز العنصري اللاحق بعرب الداخل منذ قيام إسرائيل وما زال، باعتراف لجان وهيئات إسرائيلية أقيمت للبحث عن أوضاع الأقلية العربية، في كافة المجالات لهو أكبر دليل، ولم يجر إصلاح هذا التمييز، فعرب الداخل يدفعون الواجبات، ولا يحصلون على الحقوق، ولا أحد يدري ما يبيتونه في الغرف المظلمة لهم، إذا ما تم الاعتراف بيهودية الدولة الذي يهدد مصير أكثر من مليون ونصف المليون عربي في الداخل، في الوقت الذي ينادي اليمين المتطرف بترحيل وطرد فلسطينيي الداخل، وكان وزير الخارجية السابق "أفيغدور ليبرمان"، رئيس لجنة الخارجية الحالي، جاء في كتابه، بنقل فلسطينيي الداخل، إلى الدولة الفلسطينية، التي يضعون العراقيل أمام إقامتها، ويزرعونها بالمستوطنات، فنواياهم سيئة وضبابية، وأخيرا فقد قالت رئيسة الحكومة الإسرائيلية السابقة "جولدا مائير" ذات يوم، أنه لا يوجد شيء اسمه شعب فلسطين، فثبت العكس، لكن الجديد ما كشف عنه بعدم وجود قومية إسرائيلية.