لا صداقة دائمة في السياسة، المصالح المشتركة هي التي ترسم حدود العلاقة بين الدول، قد يكون ذلك صحيحاً أحياناً ولكنها ليست قاعدة تحتكم إليها العلاقة بين الدول، مؤكد أن الصداقة كما هي العداوة بين الدول ليست أبدية، وكثيراً ما تنتقل من هذه الى تلك طبقاً لأسباب أحياناً من الصعب فك طلاسمها، وفي الوقت ذاته ليست المصالح المشتركة هي التي تمسك بناصية العلاقة بين الدول، لعل العلاقة الأميركية العربية تعطينا نموذجاً يخرج بنا عن كل ضوابط ذلك السياق، فهي لم تتسم يوما ما بالصداقة بمفهومها ودلالاتها، ولم يضعها العرب في خانة العداوة رغم انحياز الإدارات الأميركية المتعاقبة بشكل مطلق لدولة الاحتلال على حساب الحقوق العربية، وفي ذات الوقت لا يمكن لأحد الادعاء بأنها مبنية على مصالح مشتركة، سواء كانت مصالح مع الشعوب العربية أو حتى مع أنظمتها.
أميركا لا ترى في العرب سوى بقرة حلوب، تدر حليبها للغير وتمتثل لتعاليم صاحبها دون أن يكون لها حق الاعتراض، وهي في ذات الوقت لا تمتلك الارادة لأن تثور على سيدها حتى وإن طغى وتجبر عليها، أميركا ليست صديقة العرب، ولم يضعها العرب في خانة الأعداء اتقاء لشرها، ومصالح العرب معها لا تذكر، هذه هي الصورة الخارجية التي تخفي الكثير بباطنها، الحقيقة أننا نكره أميركا ونتودد إليها، ونكره من يتقرب اليها ونهرول خلسة نطرق بابها، ونحرق علمها كلما غضبنا ونعتذر لها عن أفعال صبية يجهلون قامتها، وننعتها بالشيطان ونحج إليها، وتفور دماؤنا حين نسمعها تتحدث عن حقوق الانسان ونطلب منها أن تتمهل علينا، نغضب من أفعالها ثم نعتذر إليها، ننقدها على استحياء ونشيد بعظمتها، تتكبر علينا فنتذلل لها، تقتلنا صباحاً ومساء فنرسل لها باقة من الزهور كي تهدئ من انفعالها، تلقي بحقوقنا في سلة مهملاتها فنؤكد على مبدأ السمع والطاعة لها.
نعم نحن ضعفاء أمام جبروتها، ويمكن لها أن تهز عروشنا السياسية والاقتصادية في وهج النهار دون أن يردعها رادع، وهي القادرة على الاطاحة برؤسائنا وتحديد من هو المقبل لحكمنا، لكن الحقيقة الواضحة وضوح الشمس أن قوتها تكمن في ضعفنا، ونحن دون سوانا من سمح لها باقتحام غرف نومنا، ونحن من استنجد بها كي تقتله، ولطالما صفق القتيل منا لقاتله، أما آن لربيعها العربي أن يوقظنا من سكرتنا، وأن ندرك أن انصياعنا لأوامرها لن يمنحنا الطمأنينة على مقاعدنا، وأن ما تصنعه من مؤامرات علينا يتفوق على ما تقدمه صناعتها من ابتكارات يعجز العقل عن هضمها.
ليس مطلوباً منا أن نعلن الحرب عليها، ولا ان نقاطع منتجاتها، ولا أن نتجسس على هواتف قادتها، ولا أن نقتحم خصوصية مواطنيها، ولا أن ننتهك حرمة أجوائها كما تفعل طائراتها بنا، لكن مطلوب شيء من الكرامة، تجعلنا نتمرد على دور بقرة الفلاح التي تدور بساقيته نهاراً وتمنحه حليبها ليلاً، خاصة وأنه بات جلياً لنا أن الفلاح الأميركي بعد أن يتأكد من ضعف وهوان بقرته يلفظها ويأتي بغيرها كي تواصل الدوران فيما خطه لها وتمنحه مقدراتها دون أن تنتظر رداً منه لمعروفها، إن لم نستطع أن نعض يدها فلا يجوز لنا أن نقبلها.