الأراضي الفلسطينية تشهد حالة من الركود والخوف من المستقبل القريب. فلا السلطة الفلسطينية في رام الله تعرف إلى ماذا ستقود المفاوضات بعد تسعة أشهر من انطلاقها في يوليو/ تموز الماضي وعن الخطوة التالية في حال نجاح أو فشل تلك المفاوضات التي انطلقت من خارج سرب الإجماع الوطني الفلسطيني وكان مرجعيتها المفاوضات ذاتها، ولا حكومة حماس في غزة تعرف إلى أين تقود الشعب الفلسطيني في قطاع غزة في ظل الحصار وإغلاق الأنفاق والتهديدات الإسرائيلية بشن عدوان جديد ضد غزة.
المفاوض الفلسطيني ذهب للمفاوضات بدون أجنحة تساعده على الطيران ولو على علو منخفض. فريق المفاوضات ذهب وحيداً متخلياً عن الإجماع الوطني الفلسطيني ورفاقه وإخوانه في منظمة التحرير الفلسطينية حينما أسقط مطلب وقف الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة عن استئناف المفاوضات مع كيان الاحتلال الإسرائيلي واستجاب فقط لخطة وزير الخارجية الأمريكية جون كيري بالعودة للمفاوضات دون وقف الاستيطان ووقف التحرك الفلسطيني في أروقة الأمم المتحدة والانضمام لمؤسساتها.
الحكومة الإسرائيلية استغلت المفاوضات التي وصفها أصحابها في الأشهر الأولى من انطلاقها أنها عقيمة ولن تصل إلى اتفاق في نهاية المطاف بل وشبهها البعض بأنها أسوأ من الـ20 عام لاتفاق أوسلو المشؤوم. فالاستيطان في الضفة الغربية بلغ ذروته في أكثر من 70 بالمائة هذا العام عن العام الماضي والذي بات يغيب إمكانية قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، ناهيك عن العطاءات الجديدة في توسيع وبناء مستوطنات والإعلان الأخير عن بناء 1500 وحدة سكنية جديدة في القدس المحتلة.
المفاوضات تراوح مكانها، الانتساب إلى مؤسسات الأمم المتحدة والقيام بخطوات دولية ضد إسرائيل ما زال في مكانه ايضاً منذ نوفمبر/ تشرين ثاني 2012. الحكومة الإسرائيلية تواصل استيطانها ومصادرتها وتهويدها للضفة والقدس وتشدد الحصار والعدوان ضد غزة، مستغلة حالة الانقسام الفلسطيني والتردي العربي والنزاعات الداخلية في عديد من الدول المحورية العربية، التخوف الفلسطيني من سيف المساعدات الأمريكية إضافة إلى إسقاط الفلسطينيين أية إستراتيجية بديلة لسياسة المفاوضات.
صمت السلطة الفلسطينية ورئيسها أمام هذا التغول الاستيطاني وعدم التهديد بالانسحاب من المفاوضات وبقاء لغة الإدانات لدى السلطة أسيرة البيانات والاجتماعات بل واستمرار التنسيق الأمني مع الاحتلال والتعايش معه، جميعها تشكل أسوأ أنواع التواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي وسياساته التوسعية.
فالإفراج عن 52 أسيراً من أسرى ما قبل أوسلو في دفعتي إفراج من أصل 104 أسرى، انجاز وطني وسياسي لشعبنا الفلسطيني ولحركته الوطنية الأسيرة، لأن الإفراج عن أي أسير من سجون الاحتلال مكسب شعبي ووطني. فالمطلوب من السلطة عدم اقتصار الإفراج عن الأسرى محصوراً بالمفاوضات بل وتخطي ذلك بالتوجه للمؤسسات والاتفاقيات الدولية وخاصة اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة لإجبار الاحتلال على الإفراج عن الأسرى من كافة سجون الاحتلال باعتبارهم أسرى حرب وإسرائيل كيان محتل، دون ذلك ستبقى السلطة أسيرة المفاوضات.
في المقابل، حركة حماس وحكومتها في غزة ليست أفضل حالاً من السلطة الفلسطينية في رام الله. فقطاع غزة يخسر 230 مليون دولار شهرياً جراء هدم أنفاق التهريب الواصلة أسفل الحدود الفلسطينية المصرية في حين كان يعتمد اقتصاد القطاع على الأنفاق بشكل كبير، ونسبة البطالة تصل إلى 43 بالمائة في أوساط الشباب القادرين عن العمل وعدم قدرة حكومة حماس توفير فرص عمل لقرابة 15 ألف خريج سنوياً وفق تصريحات وزارة الاقتصاد في حكومة حماس.
اقتصاد قطاع غزة هو اقتصاد استهلاكي وليس انتاجي ويعتمد على المساعدات والهبات كما هو الحال في الضفة الغربية، بل أن الظروف في غزة باتت تضيق ذرعاً بحكومة حماس بعد إغلاق الأنفاق واقتصار معبر رفح على ساعات وأيام محدودة وارتفاع نسب الفقر والبطالة بنسب عالية جداً وانتشار حالات الانفلات الأمني بشكل متسارع والسياسات الاقتصادية والاجتماعية الخاطئة المتمثلة بالضرائب وارتفاع الأسعار وانقطاع الكهرباء والمياه، وخسارة حماس لعلاقاتها مع إيران وسوريا وحزب الله ولعمقها الاستراتيجي المتمثل في حركة الأخوان المسلمين والتهديدات الإسرائيلية لإنهاء سلطة حماس في غزة.
لقد كانت محقة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين عندما طالبت حكومة حماس ورئيسها إسماعيل هنية بالانتماء لحركة التحرر الوطني وتبني المرجعية الوطنية باعتبارها الوحدة والحماية للجميع بدلاً من تبني المرجعية الإسلامية التي تعني الانقسام والتوترات الداخلية الفلسطينية ومع عديد الدول العربية. وقال حينها عضو المكتب السياسي للجبهة صالح زيدان في اعتصام نسوي بغزة ضد الانقسام الثلاثاء الماضي (29/10/2013)، على حماس الإقدام على خطوات تفتح على الشراكة والمصالحة الوطنية وأخذ الوقت اللازم لإجراء الانتخابات وفق التمثيل النسبي الكامل مقابل إعطاء الشعب وقواه قانوناً وحدوياً للانتخابات وليس انقسامياً. وقال أيضاً، أن الانفجار الشعبي قادم من أجل دفن الانقسام الكارثي ومن أجل الحرية والعمل والعدالة الاجتماعية في ظل المأزق الشامل للمشروع الوطني الفلسطيني.
فالسلطتان في رام الله وغزة لم تتبنيان إستراتيجية وطنية بديلة تجمع بين المقاومة والسياسة، وإستراتيجية اجتماعية واقتصادية جديدة تأخذ بعين الاعتبار مشكلات الفقر والبطالة بل اقتصرت على خدمة مصالح السلطتين وتنميتهما لحسابات فئوية وحزبية.
حقاً الانفجار الشعبي قادم وسيقود إلى انتفاضة ثالثة ضد الاحتلال الإسرائيلي والسلطتين في الضفة الغربية وقطاع غزة لأجل إنهاء الانقسام إلى الأبد وإنهاء الاحتلال أيضاً باعتبار أن الانقسام والاحتلال عملتان لوجه واحد ألا وهو خدمة إسرائيل.
فالمطلوب من حركتي فتح وحماس مغادرة السياسة الانتظارية في الضفة وقطاع غزة والعودة إلى المرجعية الوطنية والنزول عند المشترك وطنياً من البرنامج المرحلي إلى إعلان القاهرة 2005 ووثيقة الوفاق الوطني 2006 والورقة المصرية 2009 واتفاق القاهرة 2011 وتفاهمات 2013، والبدء بخطوات لإنهاء الانقسام وتبني إستراتيجية الجمع بين المقاومة بكافة أشكالها والعمل السياسي بكافة أشكاله أيضاً وعدم الارتهان بالمفاوضات وفق خطة كيري او تعهدات الولايات المتحدة الأمريكية بل وفق قرارات الشرعية الدولية.
• كاتب وصحفي فلسطيني- قطاع غزة