" شهيدة النرجس"

نهضت من فراشها باكية حزينة وأزاحت الستارة الباهتة عن النافذة لترى صباحا جديدا، الشمس تبزغ من خلف الجبل والغيوم تشتتت في السماء الزرقاء. كانت تذرع حجرتها ذهابا وجيئة.. تتذكر أباها الذي استشهد قبل عام.. تنظر إلى صورته المعلقة على خلفية سوداء وتتذكر تلك الأعوام الخوالي وهي تجمع معه أزهار النرجس، الدموع تتساقط على خدي طفلة فقيرة بعمر الزهور حرمها الاحتلال من الحنان الأبوي وجعلها يتيمة في زمن أصبحت أيامه سوداء بسبب الخنوع العربي لقوى الشر العالمية. تدخل إلى حجرتها الرطبة.. تتقوقع للحظات في إحدى زواياها السوداء والدموع تنهمر من عينيها الخضراوين. تدخل إلى المطبخ بهدوء فهي لا تريد إيقاظ أمها المنهكة من عذابات الزمن والقهر الأبدي، فتشرب الشاي على عجل وتهم مسرعة لقطف أزهار النرجس لوضعها على قبر أبيها، تصل إلى جبل مليء بزهرات النرجس البرية الفوّاحة، لكن رائحة المياه العادمة من مستعمرة مجاورة كانت تغطي على روائح النرجس الجبلي الذي يملأ المكان، أرادت الطفلة هذه المرة أن تجمع مئات الزهرات، تقترب من المستعمرة.. يطلق عليها مستوطن حاقد عدة رصاصات يخترقن جسدها.. تسقط على الوحل، تنظر مبتسمة إلى السماء ترفع في يدها نرجسة وتقول: اهديها لك يا أبي رغما عن الاحتلال، الساعات تمر والطفلة لم تعد، تخرج أمها لتبحث عنها في ساعة الغسق فتجدها مضرجة بدمائها، فتلعن الاحتلال بلهجتها الخاصة وتكتم صوتها وبيدين مرتجفتين تجمع النرجس المتناثر وتحمل طفلتها وتأتي بها وتدفنها بجانب والدها.. تنثر زهرات النرجس الملطخ بالدماء على قبريهما.. تبكي بحرقة وتقول: آه يا طفلتي يا شهيدة النرجس.