في ذكرى الوعد المشئوم .... لا زال الجرح يقطر دما

بقلم: رضوان أبو جاموس

لم يرَ التاريخ البشري نكبة إنسانية، كتلك التي مرّت بتاريخ الشعب الفلسطيني عام 1917م، وأدّت إلى سلب أرض "فلسطين" من سكانها الأصليين ومنحها لقطعان المستوطنين، إلاَّ في حالة ما قام به المستعمر الأوروبي الأبيض ضد السكان الأصليين في العالم الجديد منذ أواخر القرن الخامس عشر الميلادي.

 

ستة وتسعون عاماً مرت على اغتصاب فلسطين بمباركة دولية، أجازت للعصابات الصهيونية ممارسة كل أنواع الإرهاب والجرائم ضد الإنسانية عبر تهجير وقتل وإبادة شعب مسالم يعيش في طمأنينة، بددتها غارات الأغراب القادمين بالموت عبر الأساطيل الغربية ليزرعوا كيانا مصطنعاً يوفرون له الحماية والمدد العسكري في جريمة مستمرة تتنافي مع كل القيم الحضارية وتشكل وصمة عار لكل أدعياء الحرية والديمقراطية في هذا العالم.

 

لقد كان وعد بلفور المشئوم بمثابة زلزال عصف بالمنطقة، وغير وجهها بشكل جذري ، وشرد شعباً وأعطى وطنه لأناس آخرين غرباء تماماً عن جغرافيا المنطقة وتاريخها وثقافتها وأعرافها ، لقد كان الوعد نتاج التحالف غير المقدس بين المشروع الاستعماري الغربي والحركة الصهيونية و نشأ عنها طرد الشعب الفلسطيني وإقامة كيان جديد ودخيل على تركيبة المنطقة ونسيجها ومكانه ..

 

وكان لوعد بلفور المشئوم بتاريخ 2/نوفمبر عام 1917م، دويٌّ هائل ليس في الساحة الفلسطينية فحسب، بل في مجمل الأقطار العربية، حيث ترتّب على هذا الوعد المشئوم، " أن منح من لا يملك لمن لا يستحق"، بذلك فقدت الأرض الفلسطينية هويتها التاريخية، وتحوّلت قضية شعبها إلى صراع على أرض بين شعبين الأمر الذي أسعد الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا الحريصتين على أمن "إسرائيل" الكيان الوليد فيما بعد.

 

فكلما دققت وأمعنت النظر في تفاصيل ما حدث وجدت كل شيء كان مختلفاً عن باقي المشاهد والتجارب التراجيدية التي عاشتها شعوب أخرى، فما حدث للشعب الفلسطيني في ذلك اليوم الأسود صبغ حياة الشعب الفلسطيني بالسواد وأمتد سواده على مدار قرن من الزمان، فما حدث لم يكن وعداً عادياً ولم يكن المتآمر واحداً، ولم تكن المؤامرة معروفة الحجم، والضحية مازالت تتعاظم مأساتها وتتوارثها الأجيال الفلسطينية في كل أرجاء المعمورة.

 

ستة وتسعون عاماً ولازال الشعب الفلسطيني يحافظ على هويته الإسلامية والوطنية، ولازالت المقاومة كما كانت حاضرة منذ اليوم الأول للجريمة وكان العبء عليها ثقيل في مواجهة كل أساليب التصفية عبر مخططات خبيثة تستهدف وجود هذا الشعب وحقه التاريخي في أرضه المحتلة, ولازالت الذاكرة الفلسطينية حية وزاخرة بكل معاني الانتماء لفلسطين ومقدساتها وكامل ترابها من بحرها إلى نهرها عبر الأجيال المتعاقبة والتي تحتفظ بذاكرة الأجداد.

 

لقد جسّد الشعب الفلسطيني بنضاله طيلة العقود الماضية وحتى الآن، إصراره وتصميمه على العيش بكرامة وحرية فقدّم في سبيل هذه الغاية عشرات الآلاف من أبنائه شهداء وجرحى وأسرى ومبعدين ومشردين، كما جسد هذا النضال من خلال تمسكه بحق عودة لاجئيه ونازحيه، وبالقرارات والمواثيق الدولية التي كفلت له ذلك على الرغم من إجحافها بحقوقه الكاملة.

 

وفي هذه المناسبة فإن الشعب الفلسطيني بكافة شرائحه وانتماءاته السياسية مُصمم على التمسك بحقه في العودة إلى الديار التي هُجر منها قصراً، ويطالب العالم بالتوقف عن سياسة الكيل بمكيالين والتوقف عن سياسة الانحياز لـ"إسرائيل" وأن يأخذ معاناة شعب بأكمله عانى قرابة القرن من ويلات الاحتلال والتهجير والقتل والمجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق أبناء الشعب الفلسطيني.